هل تودون مني اليوم أن أكتب عن أزمة الشعير أم عن سلطة المثقف؟ عن موجة الغبار التي تجتاح موسم الخبت التهامي، أم عن لوثة الغبار الفكري التي تقضم مواقف مثقفي هذا العالم العربي من الظروف الاستثنائية الراهنة؟ هل نكتب عن (سلَطة) البقوليات المتهمة بنشر بكتيريا ـ إي كولاي ـ القاتلة أم عن (سلْطة) المثقف المسؤولة عن تشكيل الوعي الاجتماعي وقيادة أنساق الرأي العام؟
تقول لي بعض الأخبار الخاصة إنني معكم على مفترق طرق ولا مشكلة لدي أبداً في ـ مفارق الطريق ـ فقد عبرت هذه الخيارات المؤلمة من قبل عشر مرات، وسعيد بكم لأنكم كنتم معي على الدوام على هذه الطريق. لا مشكلة لدي طالما كانت كل ـ مفارق الطريق ـ ترفل بي على خارطة هذا ـ الوطن ـ الذي عشقت، ولاحظوا أن (هذا) في اسم الإشارة تعود للمذكر. ثم اكتشفت أن بعض الطرق قد تأخذ صاحبها إلى طريق زراعي ليكتب عن أسعار الباذنجان وأزمات العلف والشعير وبعضها على النقيض يأخذ صاحبه إلى ـ الأوتوستراد ـ حيث المثقف سلطة مكتملة. وكل ما أخشاه أن تدوم أزمة الشعير وأن أضطر للكتابة المتصلة عنها، وعفواً فلن أقول إن هذه الأزمة من هموم المواطن. هذه تورية لن يتورط فيها قلم الحرية.
ومع الكتابة، عملت من قبل، مبلطاً بامتياز، وعامل دهان بصورة أميز. عملت أيضاً، ماسح جوخ لبضعة أيام كل عام وأرجو ألا يتدخل ـ أحد ـ ليمسح صفاتي في هذه الجملة التي أكتبها اعترافاً بخط قلمي فأنا لن أكذب على أحد غير ـ خلدون- الصغير، لؤلؤة عائلتي الصغيرة. امتهنت كل تلك الأعمال عندما يجد ـ قلم الحرية ـ أحباره على مفارق الطريق. ولا مشكلة لدي أن أكون ـ الحانوتي ـ الذي يقبر الأفراد والقضايا طالما كانت أجرتي أن أسلب أقلام الحرية من جيوب الجثث. أنا أكتب بالنيابة عن الحرية. بتوكيل شرعي من المستضعفين والمحرومين وبوصية من الأيتام والأرامل تماماً مثلما أكتب عن حزن الخيول الأصيلة الجامحة حين تعاني من أزمة الشعير. أنا لا أكتب عن الشعير من أجل الدجاج والماعز. سوف أعدكم أن يبقى ـ قلم الحرية ـ بين يدي. سأكتب به ولكنني لن أضغط أصابعي إلى ـ خصره ـ كي يتمكنوا بسهولة، إن هم أرادوا أن يأخذوه. سأعدكم أن يفعل ـ قلم الحرية ـ كل ما فعله من قبل حين يجد نفسه على مفارق الطريق. أن يعكس اتجاه السير وأن يمضي بعكس الطابور. أن يكتب عن أزمة الشعير ولكن: بسلطة المثقف.