ما أشبه اليوم بالأمس، ففي كلاهما يتفق مفهوم (قضية مجتمع) على أن يقذف بالمتخرجين إلى سلة المهملات. حيث يظل المتخرج السعودي معلّقا في سلّم بدايته: لن تستطيع معي صبرا ونهايته: عند الله خير وأبقى.
مع نهاية كل عام دراسي وفي تمام لحظة رمي قبعات التخرج وإلتقاط صور لأوجه فرحة مستبشرة، أشفق على تلك الأوجه نفسها من واقع تصطدم فيه أحلامهم وهم يظنون أنهم أوفر حظاً ممن سبقوهم، فلا شهادة وجدت وظيفة عند بعضهم، ولا وظيفة وظّفت شهادة بالوجه المطلوب عند بعضهم الآخر.
وفيما يحاول المتخرجون حديثاً إغلاق آذانهم عن حكايات الرعب التي اعتاد خريجو السنوات السابقة سردها والمتمثلة في صعوبة التوظيف واستحالة حدوثه بلا واسطة، يقفز تصريح وزير ما ـ والذي لا يقل شهرة عن باقي تصريحاته المدوية ـ إلى أذهاننا كقنبلة تفتك بأحلام أولئك الخريجين حينما قال: (إننا لسنا مطالبين بتوظيف كافة خريجي الجامعات، وهل نحن نعلّم للتعليم أم للتوظيف)، ولا نعلم من هو المطالب إذاً، ولما لا نطالبه بذلك، وكيف له أن يقف مكتوف اليدين مكتفياً بمراقبة إحدى أخطر القضايا التي تهدد استقرار المجتمع والشباب.
ومن جهة أخرى وبدلا من أن تتكاتف الجهات المعنية في إيجاد حلول سريعة وجذرية للحد من زيادة نسبة البطالة والتي تتضاعف في مثل هذا الوقت من كل سنة، تأتي موافقة مجلس الشورى على رفع سن التقاعد وتثبيت من قاب قوسين أو أدنى بوظيفته، وكأننا في زمن نبحث فيه عن موظف لينتقي من بين الوظائف المكتظة والشاغرة ما يطيب له، فلا نجد سوى التمديد لأصحاب الستين وركن قوى وقدرات العشرين، وكأنهم يدمرون الآلات الحديثة ويحتكرون الخبرة والقدرة على من سواهم!!
عزيزي المتخرج:
إن كان الحديث عن حقوقك والمطالبة بها مسألة شائكة، فالسكوت عنها كارثة تقضي على مستقبلك وتتسبب بفشلك بل وفشل جيل جديد بأكمله.
من يتوانى عن حقوقه فعليه إذاً أن يتقبل ترحيل الوعود، وليرضى بفتات العيش، وليستعد للي الذراع, وينتظر من يتكرم عليه بما كان من المفترض أن يكون حقاً له.
هاهي مسؤولية المكلفين استدارت عنك، وقرارات المخوّلين بحمل الأمانة همّشت حالك، ولم يبق لك سوى أن تطالب بحقك وتسعى إليه كما تستحق، أو أن تكتفي برفع أكف الدعاء لطلاب العلم بالتوفيق والسداد، وإطلاق تلك الأماني والنكت الساخرة التي تطوف أرجاء البلاد عبر البلاك بيري سعياً وراء الدعم تارة وجبر الخواطر تارة أخرى.