فركت عيني مرتين وأنا أشاهد المنظر على قناة العربية في إحدى نشراتها الإخبارية؛ وهي تنقل تقريرا منقولا من قناة AT.V التركية رجلٌ يعزف العود، وعلى الكنبة المقابلة رئيس وزراء تركيا رجب طيب إردوغان يحمل الميكرفون، ويغني لشعبه أغنية عاطفية مشهورة من موروث تركيا، يقول التقرير إن الأغنية بمناسبة فوز حزب العدالة والتنمية لولاية أخرى بتركيا، ويقول التقرير أيضاً إن الأتراك أشادوا بصوت إردوغان وشجنه العميق..
إردوغان الفائز بجائزة الملك فيصل العالمية حكم تركيا عام 2003 بيدٍ من حديد، وقلب من ياسمين، وأعاد لها روحها وإرثها، وللشخصية التركية قيمتها.
أصبحت تركيا ورشةً هائلة من التنمية، وارتفع دخل وطنه ومواطنيه، وتصالح مع الأرمن واليونان، وأعاد للأكراد حقوقهم، وسمح لمنابر الجمعة لديهم بالخطبة بلغتهم.
إردوغان يغني وفي عام2010 فازت إسطنبول التي كان حاكماً لها بجائزة عاصمة الثقافة الأوروبية، بعد أن كان من قبله يستجدي لتركيا الهوية الأوروبية.
إردوغان يغني بعد أن حل المشاكل الحدودية لوطنه، وبعد أن فتح تركيا لربيع الاستثمار، ويجاهد كي يدخل الناس تركيا بلا تأشيرات.
إردوغان يغني بعد انصرافه أمام تبرير شمعون بيريز لحرب غزة بمؤتمر دافوس العالمي.
إردوغان يغني بعد أن أثبت أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وهزم دكتاتورية أتاتورك بعلمانيتها العسكرية النافية للأديان من صلب تركيا الإسلامية.
إردوغان يغني وفي صباه كان يبيع البطيخ والسميط مع والده ليستطيع أن يتعلم، فلم يفجر في سلطة بعد فقره، ولا في خصومة بعد السلطة..
إردوغان يغني بعد أن جعل التاريخ العثماني رافداً ثرياً لحكمه المدني.
الطريف أن القذافي منح إردوغان جائزة القذافي العالمية، والمانح انصرف لقتل شعبه، والممنوح يغني لشعبه!
المؤلم على حدود تركيا الآن شريط ممتد من الخيام لأكثر من سبعة الآف سوري، نزحوا بمراراتٍ ووجل من (الفيلسوف) الذي يحكمهم، والمستضيفُ يغني لشعبه!
المبهج أن ما من فائزٍ بجائزة الملك فيصل العالمية إلا وكان رمزاً لحقيقتها: العبقرية والسلام..
إردوغان حقق كل ذلك وأكثر من سيرة العدل والنماء قبل أن يُغني..