المأمول من وزراء الوزارات الخدمية في الحكومة بصفة خاصة أن يتمثلوا مقولة خادم الحرمين الشريفين الشهيرة، عندما قال – حفظه الله - :(ما أنا إلا خادم لكم )، وقبلها قال وكرر وهو يعتمد الميزانيات المليارية سنويا: (ما لكم عذر)، وهو بهذا ـ رعاه الله ـ يقول إن القيادة لديها الإرادة القوية والعزيمة الصادقة لخدمة الشعب وتنمية وطنهم وتلبية احتياجاتهم، وهي وفرت المال الكافي لتحقيق تلك الإرادة والرغبة ولم يبق سوى الإدارة التنفيذية الراشدة والقادرة على تحقيق إرادة القيادة ورغبتها، ولهذا وتأسيسا عليه فإن المطلوب من الوزراء أن يعملوا فعلا في الميدان التنفيذي بصورة تراعي أمرين مهمين، أولهما العدالة في توزيع المشاريع بين المناطق، وثانيهما الواقعية والمصداقية عند الحديث عن خططهم ومشاريع وزاراتهم. ولعل أصحاب المعالي الوزراء يدركون أكثر من غيرهم أن إرادة ورغبة القيادة واضحة أمام الشعب وأن الأموال المعتمدة للتنفيذ معروفة، وأن مراقبة التنفيذ وفق الأمرين السابقين متاحة للجميع، والجميع يفعلها، البعض يستطيع إعلان نتائج مراقبته ورأيه في التنفيذ عبر وسائل الإعلام المعروفة بكل قنواتها الورقية والإلكترونية والمسموعة والمرئية، وبعضهم يقولها في المنتديات والتجمعات والمجالس العامة والخاصة، وقلة صامتون، لكن الجميع لديه رأي ولديه شواهد وأدلة، ولو تجرأ الوزراء وقلدوا الثلاثة الذين سبقوهم إلى الفيس بوك وتويتر – خوجة والعيسى وفقيه – وفعلوا مثلهم لعرفوا جزءا كبيرا من رأي الناس فيما يفعلون وما تفعل وزاراتهم وفروعها في المناطق، لكنهم لم يفعلوا حتى الآن، ولا أدري إن كانوا يقرؤون ما تنشره الصحف وما تتم كتابته وتداوله على النت أم يكتفون بالتقارير المرفوعة من مرؤوسيهم وبعض الخطابات. منذ فترة قريبة اعترف وزير البلديات الأمير منصور بن متعب أمام مجلس الشورى أن وزارته اكتشفت عدم العدالة في توزيع المشروعات بين المناطق. والحقيقة أن عدم العدالة هذا يشمل عدد الوظائف في وزارة البلديات نفسها، ويشمل باقي الوزارات الخدمية الأخرى.. مشروعات وموظفين، باستثناء وزارات التعليم العالي والتربية والشؤون الاجتماعية كما هو الظاهر، أي أن إيجابيات وسلبيات الوزارات الثلاث التي أشرت إليها تشمل جميع المناطق، أما باقي الوزارات فانعدام العدالة يشمل المشروعات والموظفين، أي أن الإيجابيات تذهب لمناطق والسلبيات تذهب لمناطق أخرى، ومثلما اكتشفت وزارة البلديات الخطأ ولعله الخطر، لابد للوزارات الأخرى أن تفعل ذلك وبأسرع ما يمكن.

ومنذ أكثر من عام أطلق وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة تصريحا غير معقول، عندما وعد أنه سيفصل مرضى الشمال عن مستشفيات الأردن فصلا سياميا ويجعل الهجرة معاكسة إلى مستشفيات المملكة، وهذا غير معقول حتى لو أراد معاليه، لأن الناس يعرفون الواقع الذي لا يمكن تغييره بتصريح، وإنما بخطط منطقية وعمل دؤوب، وهذا ما أشرت إليه أعلاه وسميته (الواقعية والمصداقية) اللتين يجب مراعاتهما احتراما لعقول الناس. ولعلي أذكر بما نشرته "الوطن" يوم السبت الماضي من زيادة عدد المنومين السعوديين في المستشفيات الأردنية بنسبة 10% في عام 2010 قياسا بعام 2009 الذي وعد الوزير فيه بالفصل السيامي، وهذه الزيادة طبيعية في ظل واقع مستشفيات الشمال وغيرها من الجهات في المملكة، وهناك جهود وخطط للتغيير والتطوير، لكن الوعود القافزة على الواقع هي المشكلة، وهي مشكلة تكررت في تصريح آخر لوزير الصحة ونشرته - عكاظ - يوم الثلاثاء الماضي، إذ يقول الوزير: (ستقوم وزارة الصحة بتسيير فرق صحية لتقديم الخدمات العلاجية للمواطنين غير القادرين على زيارة المستشفيات في منازلهم، ولم يكشف الوزير عدد الفرق ولا الأعداد المتوقع خدمتها). الوزير يعرف أن المرضى ليس لديهم مشكلة في الانتقال من منازلهم إلى المستشفيات مهما كانت صعوبات هذا الانتقال، ولكن مشكلتهم هي عدم توفر العلاج ولا السرير في هذه المستشفيات، فضلا عن المواعيد السنوية أو نصف السنوية. هذه معاناتهم التي يعرفها الوزير ومع هذا يعدهم بمستقبل العلاج في المنزل! الواقعية أفضل فيما أعتقد أليس كذلك؟ هذه الواقعية تجلت فيما نشرته الصحف يوم الأربعاء الماضي نقلا عما أقره المجلس التنفيذي لوزارة الصحة في اجتماعه الثالث الذي عقد برئاسة الوزير وكان أهم قراراته:(التوزيع العادل للمراكز الصحية بين المناطق والمحافظات مع ما يتبع ذلك من تحسين الجودة وكسب رضا المستفيدين). وزارة الصحة لديها خطط مستقبلية قطعا ولديها طموحات، لكن التركيز على الواقع أظنه أجدى وأصدق، أما خطط المستقبل وطموحاته فإن تجربة الناس مع وعود الوزارة عبر عقود طويلة لم تعد تسمح لهم بتصديقها، وعلى الوزارة وغيرها من الوزارات أن تؤجل الإعلان عن طموحات المستقبل حتى تحقق شيئا واقعيا يلمسه الناس، ويتخذونه دليلا يمكن بموجبه تصديق أحلام المستقبل.