تتحفنا مطالعة قصص التطور لدى شعوب العالم بنماذج تقدمٍ مذهلة، قد تكون حافزاً لنا على نفض غبار السكون والدعة، ومحاولة اللحاق بالعالم المتطور العظيم. نموذج "اليابان" بقي جذاباً وآسراً، سحر هذه الحضارة العظيمة لا ينقضي. هناك حالات انفراد مكّنت اليابانيين من الخروج من الأزمات. حين اجتاحتهم القنابل الذرية لم تنشغل النخب والأدباء بتدبيج القصائد ضد الأميركيين، بل تجاوزوا تلك المرحلة من خلال النهضة بصمت من كل الأزمات التي عاشوها، وغادروا قاع التخلف ليجعلوا من وطنهم في مصافّ الدول العظمى على مستوى العالم.

أعجبتني تحليلات الأديب المصري المتخصص بالثقافة اليابانية واللغة اليابانية الدكتور أحمد محمد فتحي ففي حوار معه، يصف تعامل اليابانيين مع كارثة "تسونامي" بقوله: "معروف عن الشعب الياباني الجدية وذكاء التعامل مع المواقف، ظهر أفراد الطاقم الحكومي وأهمهم الوزراء بعد الكارثة مرتدين زي العمال في إشارة إلى أن البلاد في حاجة للعمل وتشجيعا للعمال، واتفقوا على العمل أيام الإجازات، وتوفيراً للنفقات اتفقوا على إضاءة "لمبة" واحدة فقط في كل منزل وقت الليل خاصة بعد أزمة الطاقة الكهربائية وإيقاف مفاعل فوكوشيما، وبالتالي إطفاء أنوار الشوارع والمحطات وعدم إضاءتها إلا للأهمية القصوى، وأيضا اتجهوا لتوفير الكهرباء الخاصة بالسلالم الكهربائية بتشغيل جانب الصعود فقط، بالإضافة لتقليل عدد حركة القطارات فبعد مرور 4 قطارات مثلا في الساعة اكتفوا بقطارين فقط".

مر العالم العربي بكثيرٍ من الصدمات التي كان يمكن أن تكون محفزةً للخروج من الركون والسكون، مثلاً حين دخل نابليون إلى مصر، وحين هزم العرب في سنة 1967 وحين اكتشفنا النفط، كان يمكن للمحاولات التي سمّيت فيما بعد بـ"محاولات النهضة" أن تهبنا صدمةً تشبه صدمة اليابانيين بالقنابل الذرية، لقد سلخت إسرائيل الفلسطينيين والعرب، ووقعت من الأزمات المتتالية خلال القرن الماضي ما تعادل في ذلّها قنبلتي هيروشيما وناغازاكي لكن كأن شيئاً لم يكن!

قال أبو عبدالله غفر الله له: للشعب الياباني حكمته المضيئة في عالم التطور البشري، ولا يمكن لعاقلٍ أن يتجاهل النجاحات الخلاّقة الآسرة لهذا الشعب ولهذا المجتمع، حين جاء زلزال تسونامي لم يواجهوه بالصراخ والعويل، بل شمروا عن سواعدهم، صغيرهم وكبيرهم، وأذكركم أن الياباني يروّض أرض الزلازل التي بنى فوقها وطنه شيئاً فشيئاً!

وما زلنا نواجه الأزمات بالقصائد والمعلّقات بنوعيها الشعبي والفصيح!