أشبه باستفتاء واسع يقدمه السعوديون يوميا في أحاديثهم ومجالسهم ولقاءاتهم، كلها تنتج عن نسب متدنية من الرضا فيما يتعلق بموقفهم من الخطوط الجوية السعودية، من خلال إجماع غير مسبوق على المعاناة والمشكلة والتضجر الواسع الذي بات أشبه ما يكون بلغز سعودي كبير، امتد لسنوات طويلة، وظل يتسع بفعل الأحداث والمواقف والتردي المستمر في خدمات الطيران التي يقدمها الناقل الوطني، وفي المقابل ظل الأذى والضجر في اتساع أيضا، حتى وصلنا إلى حالة من الاشتباك اليومي بين الناس وبين الخطوط السعودية
لا توجد هيئة أو مؤسسة أو وزارة سعودية أخرى تحظى بكل هذا الإجماع على أنها باتت عائقا وطنيا كبيرا كما هو الحال في الخطوط السعودية، المؤسف أنه إلى الآن على الأقل يبدو أننا لسنا أمام أي ضوء في آخر هذا النفق الطويل، إنما أمام تصاعد مستمر في صوت الشكوى المتزايد من الجميع، وطنين الصمت المستمر من الخطوط السعودية.
قد تشهد بعض الوزارات تذمرا وطنيا، إلا أنها ما تلبث أن تقوم بمعالجته، إضافة إلى أن مختلف الوزارات والهيئات الحكومية تتعامل مع جمهور محدد يمكن التحاور معه وتقديم الحلول له، كما يحدث مثلا لدى طالبي التعيين في الخدمة المدنية أو وزارة التربية والتعليم أو الصحة أو غيرها، لكن الخطوط السعودية تتعامل مع جميع الشرائح، فهي ناقلهم الوطني شبه الأوحد، والأكثر مساسا بحياتهم وتنقلاتهم داخليا وخارجيا، مما يضاعف حجم مسؤولياتها وموقعها وأهمية أن توجد حوارا وطنيا مفتوحا، على الأقل يمكّنها أن تخرج من دور الجاني إلى دور الضحية.
إنما من الذي صنع ذلك اللغز الوطني الكبير في حياتنا والمسمى بالخطوط السعودية؟ فيما سبق كانت الصحف تتداول بشكل مستمر أخبارا عن راكب تم استبدال مقعده أو تم إلغاء حجزه، أو رحلة طيران تم إلغاؤها بشكل مفاجئ، وقد اجتهدت الخطوط السعودية فترة من الزمن بالرد على تلك الأخبار إلا أن تواترها واستمرارها جعلها مجرد مشهد مألوف من مشاهد ناقلنا الوطني، ولأن الناس تستوعب حقوقها بشكل ينمو فيه الوعي بالحقوق، امتد التذمر ليشمل المطارات والخدمات الأرضية أيضا، والتي لا تقل ترديا في كثيرمن مرافقها عن الخدمات الفضائية، ورغم كل ذلك لا صوت يصل لأسماعنا من الخطوط السعودية سوى قليل من الردود الباردة والباهتة، صنعت تلك الردود والردود الصامتة شعورا عاما لدى الناس بأن الخطوط السعودية تدرك مكمن الخلل ولكنها لا تستطيع التصريح به.
أشبه بزوجة الرجل الفقير التي تتولى الرد على من يطرقون بابه وتستمع لصراخهم في وجهها ثم ينصرفون دون أن يدركوا سبب تقاعسه عن الوفاء بحقوقهم، تبدو الخطوط السعودية، وكأن لديها سرا داخل عائلة الناقل الوحيد لا تستطيع البوح به، وكأنها تريد من الناس أن يبحثوا عن خصم آخر غير الخصم الظاهر أمامهم.
يوم السبت الماضي نشرت الصحف خبر اجتماع مجلس إدارة الخطوط السعودية، والذي تمت فيه مناقشة عدة أمور من ضمنها الحسابات الختامية وميزانية المؤسسة، إضافة إلى موضوعات عامة كالاستعداد لفترة الصيف وتشغيل الاتصال الجوي على متن طائرات الإيرباص 330 إي.
مثل هذا الاجتماع، وفي هذا التوقيت بالذات ليس من المناسب أن تنشر عنه تلك الأخبار المقتضبة إلا إذا لم يكن في الاجتماع ما يقال، وهو ما يفسر جانبا من دور الخطوط السعودية في صناعة اللغز الفعلي الذي يحيط بكل هذه القضية، فالجميع لا يعرض شيئا عن ميزانيات الخطوط السعودية، ولا عن حساباتها الختامية، ولا عن خسائرها وأرباحها، وهو ما يضاعف حجم الدهشة والتذمر. ماذا لو أعلنت الخطوط السعودية مثلا عن أنها تتحرك بميزانيات وحسابات خاسرة، وأن تلك الخسارة هي التي تتسبب في تراجع خدماتها، وأن حلول تلك الخسارة تكمن مثلا في رفع أسعار التذاكر أو فرض رسوم على الخدمات أوأية إجراءات أخرى.
أمام صور ذلك الاجتماع الأنيق يتحفز المواطنون جميعا لقراءة ما دار فيه ثم لا يعدو كونه خبرا عائما لا يقدم أية معلومات سوى تشغيل خدمة الهاتف الجوي.
الإشارة الإيجابية في مقالة الزميل الدكتور على الموسى عن الحقائق التي لا يريد أحد أن يسمعها، قد تكون في محلها إنما من زاوية أخرى، لأن كل تلك الحقائق لم يتم تقديمها وفق رؤية ومنطق إعلامي واضح يجعل الجمهور في قلب المعادلة، والخسارة ليست لغزا ولا مشكلة، لكن المشكلة في أن يتصاعد التذمر من الخطوط السعودية وتصبح مادة للنقاش والبحث والشكوى، لا يتوقف مداها عند قصة المليارات الخمسة أو الوجبات الشهية المقدمة على متن رحلاتها.
لا التنمية السعودية، ولا وعي الناس بحقوقهم ولا منطق الخدمات الوطنية، يتسع لهذه العلاقة المتوترة بين الناس وبين الخطوط السعودية، وكل بلدان العالم من حولنا يفاخرون بخدمات الطيران لديهم والتي باتت شاهدا على حجم النمو والنجاح الاقتصادي. بينما هي لدينا أسخن دائرة للاشتباك اليومي مع الناس وفي جميع مناطق المملكة.