• واحدة من أغرب القصص التي يمكن أن تمرّ على هذه الأرض. كان هناك امرأة اسمها "ميّ" في مدينة اسمها القاهرة، أخرجت ورقاً وكتبت رسالةً تبدي فيها إعجابها بما يكتبه رجلٌ اسمه "جبران" يعيش في نيويورك. كان هذا في عام 1912 ، واستقبل جبران الرسالة وأجاب عليها برسالة أخرى، وأرفق مع رسالته روايته التي سماها "الأجنحة المتكسرة".
• عادت فكتبت له، وعاد ليجيبها، ثم أرسلت.. وهو أرسل، وبعد تسع سنين من الرسائل، أعني في عام 1921 فكرت أن تبعث "ميّ" بصورتها لجبران، وفعلت. جاءته الصورة فأخرج قلماً من الفحم ورسمها، وأرسل إليها رسمته. صارا في البدء صديقين عبر كلمات الرسائل، ومع الكلمات.. كلمات الرسائل المتوالية صارا حبيبين، ميّ أحبت جبران، وجبران أحبها، كان هذا كله قبل الإيميلات والماسنجر، كان هذا أيام الورق وسعاة البريد والصناديق!.
• استمرا في هذه المراسلة تسعة عشر عاماً، وقعا في فخّ الخيالات الجميلة، تبادلا كل الحب الجارف، تألما واشتاقا، وتشاكيا من الوجود والغربة. تسعة عشر عاماً من الرسائل والحب.. دون أن يلتقيا لمرةٍ واحدة. ومات الاثنان دون لقاء، تاركين خلفهما أسمى عذابات الورق والحلم، وأعمق ما يمكن أن يكون في اثنين من عذوبةٍ مفرطة.
• مرة كتبت "مي زيادة" رسالة، قالت: "ما معنى هذا الذي أكتبه! إني لا أعرف ما معنى ما أقوله، لكني أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب". وصلت الرسالة ورد عليها "جبران خليل جبران. قال: "ما أغرب ما تفعله كلمة واحدة في بعض الأحيان، إنها تحوّل الذات الخفية فينا من الكلام إلى السكوت! تقولين إنك تخافين الحب، قولي لماذا تخافينه؟ أتخافين نور الشمس؟ أتخافين مدّ البحر؟ أتخافين طلوع الفجر؟ أتخافين مجيء الربيع؟ لماذا يا ترى تخافين الحب؟!".
http://www.youtube.com/watch?v= KC2gKjKhclM
• "نحبهم.. لكن لا نقترب منهم، فهم في البعد أحلى، وهم في البعد أرقى، وهم في البعد أغلى، والبعض نحبهم، ونسعى كي نقترب منهم ونتقاسم تفاصيل الحياة معهم، ويؤلمنا الابتعاد عنهم، ويصعب علينا تصور الحياة حين تخلو منهم، والبعض نحبهم ونتمنى أن نعيش حكايةً جميلةً معهم، ونفتعل الصدف كي نلتقي بهم، ونختلق الأسباب كي نراهم، ونعيش في الخيال أكثر من الواقع معهم.. والبعض نحبهم لكن بيننا وبين أنفسنا فقط، فنصمت برغم ألم الصمت، فلا نجاهر بحبهم حتى لهم، لأن العوائق كثيرة، والعواقب مخيفة، ومن الأفضل لنا ولهم أن تبقى الأبواب بيننا وبينهم مغلقة!"، وهكذا بقيا خلف بابيهما المغلقين تسعة عشر عاماً، ويبدو أنه هكذا تكلم جبران عن ميّ!.