هل فتحت أبواب الجحيم واستطاع النظام في سورية استدراج الشعب السوري إلى مستنقع المهرج الليبي فيغرق في بحيرة من الدم؟ أم إن عنده من قدرة التحمل ما يتابع رحلة الشهادة ألفا بعد ألف يقتحمون بوابات الخلود، بعد أن بدأ رقم الضحايا يقفز فوق عتبة المئات إلى الآلاف؟ أقول هذا بعد أحداث سورية وتصريح من يقول بالمعارضة إنهم سوف يدافعون عن أنفسهم بعد أن دفع حمام الدم في مدينة جسر الشغور أكثر من مئات الناس إلى بوابة الآخرة! هل يتحمل الشعب السوري المقاومة السلمية وهو يستقبل الرصاص الحي؟ وهل يصبر صبر المؤمنين وهو يتجرع كؤوس الشهادة دهاقا، من أوغاد يضحكون من الجثث وهي ممزقة ممزعة متفجرة الجماجم بضرب القناصة فلا يبقون على حي ولا يحترمون ميتا بعد أن سلبوه الحياة؟
في قناعتي، وهو أمر صعب جدا، كما يقول المثل العربي "خرط القتاد"، أي تمسيد العود وهو مملوء بالشوك أو تسلق جبل ناتئ حاد الحواف عظيم الشظايا لا يصل متسلقه التلة إلا نازفا منهكا، أقول إن حزم الشعب السوري أمره على المقاومة المدنية فلن يتحمل المجتمع الدولي كميات الجثث والضحايا إلا في أرقام محدودة بعد أن نقلت التكنولوجيا ما يحدث بالصوت والصورة، وهو نفس المآل لبني صهيون لو زحف مليون مسلم إلى حدود فلسطين فقطعوا الأسلاك وقرروا بناء مستوطنات الزحف الإسلامي هناك! هل ستقتل إسرائيل مئة ألف أمام عدسات التصوير في كل العالم؟
أعتقد أن نفس الأمر يمكن أن يحدث في سورية وكل ما يحتاجون هو الصبر على الموت!
أتذكر أبياتا من الشعر هنا تنفع للشاعر قطري بن الفجاءة، إن لم أكن مخطئا، وهو يحض على الصبر على الموت:
قول لها وقد طارت شعاعا من الأبطال ويحك لن تراعي
أفإنك لو سألت بقاء يوم على الأجل الذي لك لن تطاعي
فصبرا في مجال الموت صبرا فما نيل الخلود بمستطاع
ولا ثوب البقاء بثوب عز فيطوى عن أخ الخنع اليراع
سبيل الموت غاية كل حي فداعيه لأهل الأرض داع
ومن لا يعتبط يسأم ويهرم وتسلمه المنون إلى انقطاع
وما للمرء خير في حياة إذا ما عدّ من سقط المتاع
أعلم علم اليقين فداحة الثمن وعظم المصيبة وكمية ضبط النفس في وجه أوغاد لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة، ليس عندهم ضمير ولا رحمة ولا شرف، ولكن الانزلاق إلى مستنقع المهرج الليبي سيقود لما هو أعظم من تدمير البلد وقتل مئات الآلاف من الناس، كما هو معروف في الحروب الأهلية التي هي أشنع الحروب قاطبة.
أقول حبذا لو قام الشعب السوري بمتابعة الاعتصام السلمي والاحتجاجات السلمية ومتابعة الكفاح اللاعنفي، وقد قرأت في مكان تفكيكا ممتازا لهذه الآلية النفسية في الصراع، وأنها تقود لولادة الروح محررة من علاقات القوة، في حين أن السلاح يمرض الروح وتقع في قبضة القوة، ونحن نعرف عن نفس الانقلابي الدموي السابق الأب الأسد كيف التهم الجناح المدني من حزب البعث كما تلتهم أنثى العنكبوت ذكرها ليلة النكاح، فلم يبق حزب بل رجال مخابرات يعملون بالأوامر مثل المنفاخ والعصا والبارودة؛ فينفخ في الصور وتضرب العصا وتنطلق الرصاصة إلى الموت، وهل للعصا أو البارودة رأي فيما يقرر مالكها؟
نعم لقد تحول الناس في سورية إلى صنفين" عبيد وآلات قتل، ودُمر الإنسان تدميرا على مدى نصف قرن، و القرآن يقول هل أدلكم على شر من ذلكم من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت؛ الطاغوت هو السلطان السياسي الذي يملك الرقاب بالمخابرات والطبنجة والغدر والغدارة وخنجر الحشاشين والبارودة الروسية، والجبت هم وعاظ السلاطين ومثقفو السلطة، وأما الناس فيمسخون مسخا ويتحولون إلى أمساخ مسلوخي الآدمية من القردة والخنازير على شكل آدمي بأخلاق الخنازير والقردة.
إلى أين تمشي سورية؟ هل ولدت الروح وتتابع الكفاح السلمي وتصبر على الموت وتتجرع المزيد من ضربات القناصة ولهيب الدبابات والمدفعية وتكرر قول ابن آدم لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين؟ أم ينجح النظام المدرب على الفتك والذبح فيجرهم كما فعل المهرج الليبي إلى حمام الدم والارتهان للسلاح والقوة ومصادر تموينها من القوى الخارجية؟
لا أحد يملك الجواب، ولكن الجواب الأكيد أن سورية تغيرت ولن تعود إلى قبضة حزب البعث وحياة الغابة والعصابة وإمبراطورية مخلوف وخلف وخالف، كما يلعن القرآن الثلاثي المرح فرعون وهامان وقارون ذلك المزيج المشؤوم من الطغيان السياسي المدعوم بالتضليل الإعلامي وأقوال الصحفيين المأجورين، بنكهة فاسدة من فتاوى علماء اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا.