من الطبيعي أن يخوض الإنسان تجارب مريرة في الحياة، وأن يمر بمحطات صعبة، ولكن حينما يفكر في نقل تلك التجارب أو حتى الخيالات الحزينة وتقديمها كـ "فن" سواء كان ذلك عن طريق التمثيل أو الغناء أو الرواية أو غيرها من الفنون، فإنه أمام مهمة محفوفة بالمخاطر، فلا شيء أصعب من تقديم الجوانب السوداوية وعرضها أمام الآخرين، لأن الحزن لا يكون مستساغا دون إضفاء الألوان عليه.

الحزن في الفن هو خامة رفيعة ونادرة، وتقديمه دون تحسينات تجعله أقرب إلى سكب التعاسة في طريق المتلقي منه إلى الفن.

ولاسترجاع مشاهد الحزن "الكئيب" في الدراما العربية فليس هناك نماذج للكآبة أفضل مما هو موجود في المسلسلات الكويتية الحديثة، فلو وقفنا عند مشاهد الوفاة والعزاء سنجد أنها قادرة على إقفال كل منافذ الأمل في حياتك، ناهيك عن الإمعان في مشاهد الجلطات والخيانات والمآسي التي أرى أن الإدمان على مشاهدتها كافٍ لإيداع المشاهد بعد فترة قصيرة في أقرب مصحة نفسية.

وفي الغناء، فليس هناك كآبة توازي المرثيات الشعبية التي عجّت بها الساحة الخليجية في فترة ماضية، واختتمها خالد عبدالرحمن في "الذاهبة"، وأحمد الله أني لم أعد أسمع بها ولا عنها.

كانت المرثيات المغناة تؤدي دورا غريبا وخطيرا وبعيدا عن الفن، يشبه بعض الأدوار الدعوية المبالغة في تصوير تفاصيل الموت، وتمثيل مشاهدها، وكأن تلك المرثيات تهدف بـ "براءة" إلى نشر الإحباط وتأصيل ثقافة الموت، وقتل التفاؤل.

النفس البشرية بطبيعتها تتوق للبهجة، والقليل من المبدعين يستطيعون ترجمة الأحزان بشكل رفيع يجعل منه محرضا على التصفيق، وليس جالبا للكآبة، وفي المشهد الأخير والحزين لروميو وجولييت في رائعة شكسبير، مثال خالد للحزن الداعي للتصفيق والإعجاب.