الشعارات الكاذبة التي تسحق الإنسان العربي؛ تمنعه حتى من طلب المساعدة من الخارج، حينما لا يتوفر البديل الحامي والمغيث، وتعتبر ذلك عيباً، وخيانةً، وعمالة للأجنبي لها تبعاتها، ويتبارى المحللون والسياسيون في التحذير من ذلك الأجنبي الطامع، وصاحب الأجندات الخفية، لكنهم في نفس الوقت لا يقدمون البديل الذي يوقف نزيف الدماء، وينصف المظلومين من القمع المنظم؛ بل ويتكلمون عن الأحداث إلى ما لا نهاية، ولا يتصورون أنفسهم ـ ولو للحظة ـ مكان الضحايا؛ حتى يعرفوا الفرق بين الواقع المر الذي يعيشه المواطن العربي، وبين الجمل السياسية المنمقة. وبالتالي فجميع هذه الشعارات والمثاليات الكاذبة لا تلبث أن تسقط أمام الفواجع التي ترتكبها الأنظمة المستبدة بحق شعوبها، ومن المستحيل أن تقنع رب أسرة عربي يحاول حماية أطفاله من القمع؛ بأن لا يستعين بالأجنبي ـ الشيطان ـ لحمايتهم، أو أن ترقع مأساة أمة يراد لها أن تكون متماسكة؛ على الورق، وعبر التصريحات السياسية فقط! ولذلك يحق لليبيين أن يستعينوا بالغرب لحماية أنفسهم من ميليشيات القذافي، مثلما يحق للسوريين أيضاً أن يستعينوا بمن يستطيع تقديم المساعدة لهم؛ ليحموا أنفسهم من (شبيحة) النظام، ونحن نتمنى ألا يحدث ذلك بالطبع؛ لكن طالما لم يتوفر حلٌّ بديل فماذا يفعلون؟!
نعم لهذه الاستعانة ثمن، والجميع يدركون خطورتها بمن فيهم ضحايا الأنظمة أنفسهم، وهو ثمنٌ ستظهر نتائجه على الأمد البعيد، وربما المتوسط؛ بيد أن من أوصل الشعوب المغلوبة على أمرها إلى هذه الحالة هو من يتحمل التبعات أمام التاريخ، وليس المواطن العربي المسحوق، الذي لا ذنب له سوى أن القدر وضعه تحت وصاية تلك الأنظمة المستبدة، التي لا يربطها بالعصر إلا صفقات المال والسلاح.
لا يهم المواطن العربي البسيط المثاليات التي يجترها المفكرون، وسدنة التاريخ والسياسة، ولا الشعارات القومية الكبرى؛ بقدر ما يهمه أولاً حماية أطفاله من التنكيل، وهذا هو واقعه الذي يعرفه، وهو معنيٌّ بالمحافظة عليه قبل كل شيء، ولو تكفل له الشيطان الأجنبي بحمايتهم؛ فسيوافقه بالرغم من معرفته بالسيرة الذاتية للشيطان، وبما يريده منه ومن بلاده في نهاية الأمر!
هذا ما يحدث بالضبط في بعض البلاد العربية المنكوبة بأنظمتها، التي تريد الخلاص بأي شكل، ووفقاً لهذا الواقع الدموي والكارثي: فمن حق الضحية أن يبحث عن مخرج، ولا ملامة على الغريق حينما يتعلق بالقشة، طالما أن أهله لا يستطيعون النصرة أو المساعدة، إذ من غير المعقول أن يُطالب الضحايا بالصبر، ريثما يجد الأقربون حيلة أو انتقالاً سلمياً آمناً! أو أن يرضوا بالتصالح مع القمع المفرط لحين ميسرة! أسرٌ بأكملها تموت وتُشرد بلا ذنب، وأطفال تُسلخ جلودهم بمنتهى الهمجية، ودون أدنى إنسانية؛ فقط لأن المستبد والمنتفعين منه لا يريدون الرحيل. فهل يعقل بعد هذا ـ مثلاً ـ أن يطالب والد الطفل حمزة الخطيب بأن يكون مواطناً عربياً / قومياً صالحاً بعد ما حصل لابنه؟ وهل يستطيع أحدٌ أن يقدم له محاضرةً سياسية عن خطورة الاستعانة بالأجنبي فيما لو طلبها أو طلبها غيره؟ الأمر ينطبق بالتأكيد على والد الطفل ثامر الشرعي، وغيرهما الكثير جداً في سوريا وفي غيرها، وما يحكم الشارع العربي اليوم: هو الواقع الإنساني، لا الشعارات والمثاليات، ولأن هذا الواقع دموي بسبب بعض السلطات القمعية التي تتشبث بالسلطة، وتواجه المواطنين بعنف مفرط؛ فما حيلة المضطر إذن؟ هما خياران أحلاهما مر: إما أن ينتظر المواطن الغلبان دوره في القتل وبمنتهى الوحشية، وإما أن يبحث عن نافذة خلاص له ولأطفاله، حتى لو كانت عبر الشيطان نفسه؟ فماذا يختار المثاليون والشعاراتيون يا ترى؟! الواقع سيفرض نفسه، والأبعاد الإنسانية البحتة هي التي ستملي عليهم خياراتها المرة، التي قد لا يتوقعونها، وبالتالي فمن يلم ضحايا الأنظمة البسطاء حينما يتطلعون إلى الخارج ؛ فلا يدرك عمق الألم الذي يحدثه سلخ جلد طفل دون ذنب، وقلع أسنانه، وتشويه جثته قبل قتله! هذه المناظر المؤلمة ربما تغير من قناعات الحالمين على الفضائيات، وتقربهم أكثر من الواقع المأساوي المرادف للتغير في المجتمعات التي عاشت مشوهةً، ويراد لها أن تستمر مشوهة لآخر المدى.