لا جديد في الأمر.الاعتداء الإسرائيلي على قافلة الحرية ليس سوى نقطة في بحر جرائم الدولة الإرهابية منذ عام 1948، وخطب وبيانات الشجب والاستنكار العربية الأخيرة ليست سوى حرف جر إلى الخلف في مجلد العجز العربي. أما بقية من انتقدوا أو هددوا فإن أصدق وصف ينطبق عليهم هو الذي أطلقه نتنياهو بأنهم منافقون، فهم يظهرون ما لا يبطنون، فكلهم يرتبطون مع الكيان الصهيوني بعلاقات ومصالح لن يهزها حدث يعتبر عابرا في سجل الجرائم الإسرائيلية المدعومة بقوة منظومة المصالح العليا التي.


إسرائيل لن تتغير فهل يتغير العرب؟ دعونا من هذا السؤال المحبط ولننتقل إلى القول المعهود من أن السياسة كما يقولون فن الممكن بحكمة لا إفراط ولا تفريط، وهي بطبيعتها – براجماتية – لاتعرف إلا المصلحة، وكما قال أحد الزعماء الحقيقيين -أظنه تشرشل- (لا يوجد عدو دائم ولا صديق دائم ولكن توجد مصلحة دائمة)، غير أن كل ماتقدم من أوصاف للسياسة ينطبق على الأنداد، وليس على التابع والمتبوع، كما هو حال أبطال القوافي والشاشات مع الغرب، إذ لو كان يمكن اجتراح الندية بالميكرفونات لكان معظم الدول العربية أعضاء دائمين في مجلس الأمن، فالندية لها مقوماتها التي لم تعد خافية على أحد سيما من يدرك أن القوة تنبع من الذات المتحضرة المتسلحة بصاروخ المعرفة قبل قاذفة الصواريخ وبهدير المصانع قبل دخان الحرب وقبل ذلك ومعه بحرية الإنسان وكرامته وحقوقه.


الشارع العربي كله مأخوذ منتش عاطفيا بالموقف التركي، وبموقف المنظمات الإنسانية والحقوقية في العالم المتقدم، وحكومة تركيا تبدي مهارة فائقة في اللعب على كل الحبال وتعرف ما تريد وتقدم نفسها – وحق لها ذلك – على أنها ند له الحق أن يكون لاعبا أساسيا في الساحة أو الغابة الدولية، ولذلك فهي تستثمر الموقف دوليا بدعم شعبي داخلي وعربي لتسجيل نقاط إضافية تدعم مصالحها ومركزها في الملعب الدولي الذي لا يعترف إلا بالأنداد وفي الملعب الإقليمي الذي تنافسها إيران عليه، ولعل من يظن أن تركيا بين مطرقة الرضا الأمريكي وسندان الغضب الداخلي نسي أن حكومة تركيا تدرك أن مصيرها كحكومة ليس مرهونا بقضية فلسطين فالناخب التركي في النهاية لا يختلف عن الغربي في اهتمامه بقضاياه الداخلية والمعيشية قبل أي قضية أخرى مهما بدت مؤقتا ذات أهمية مثلما يحدث الآن- وسبق أن حدث مرات كثيرة- في شوارع أنقرة وغيرها من العواصم الغربية بينما تتأخر هذه الأهمية أو تختفي نهائيا من سلم الأولويات عند الانتخابات، وتركيا نفسها بدأت تهدئ اللعب مما يؤكد وعيها بذاكرة شارعها وعاطفة العرب، أما السبب الحقيقي لكل هذا الاستثمار العلني والاطمئنان الحكومي والنسيان الشعبي فهو واضح وضوح الشمس، إنه جمهور المتفرجين الذي يبلغ تعداده أكثر من أربعمئة مليون عربي لم يتأهلوا حتى الآن لأكثر من موقع الفرجة على المدرجات، أما النزول إلى أرض الملعب فيحتاج لياقة حضارية تحتاج مدربا يعي أهمية أمرين أولهما ألا يفعلوا ولا يقولوا شيئا غير قادرين عليه، أما الثانية فهي أن يتأملوا الأمثلة الحية التي مازالت تتكاثر والتي جعلت (الشرقي ابن الماضي والخيال، والغربي ابن المستقبل والجد!) مع أن صاحب المقولة عبد الرحمن الكواكبي مات منذ أكثر من قرن ـ رحمه الله ـ لكن الواقع العربي يأبى إلا التأكيد على صدق حدسه وعمق بصيرته.