لا يمكن إلا أن نعترف بتأثير "الفيس بوك" في تغيير نمط حياة كثير من السعوديين الاجتماعي، وعلاقاتهم، والدفع بعجلة التغيير الفكرية إلى الانفتاح على الآخر، والتحاور معه، والمشاركة، مهما كان الاختلاف؛ وإن كان ذلك في عالم افتراضي وليس على أرض الواقع؛ لكنه اختصر الكثير من جهد السنوات، للمضي بنا إلى الأمام، من أجل إذابة الكثير من العادات والتقاليد، التي ليست من سلطان الدين، وإنما فرضتها ثقافة الصحوة المتوجسة من جهة، وعززتها ثقافة العيب الاجتماعي من جهة أخرى؛ لينسجا معاً أسواراً وجدراناً وهمية؛ أيقظت داخلنا التوجس والشك في الآخرين، واقتحامهم لحياتنا، أو الاقتراب منّا، أو مشاركتنا؛ وكأن الشيطان هو الأصل فينا لا الإنسان، حتى باتت بيوت الأسر السعودية وكأن كل منهم يسكن في جزيرة منعزلة عن الآخر؛ ووصل بكثير من ذكورنا إلى أن بوحهم بأسماء أمهاتهم للآخرين هو عورة، وعيب ما بعده عيب، قد تنسكب لأجله الدماء، فما بالنا بأسماء بناتهم وأخواتهم وزوجاتهم!

اليوم في الفيس بوك بات هناك عالم آخر للسعوديين؛ عالم يعزز ثقتنا بعضنا ببعض، وخاصة الثقة في المرأة. لقد باتوا يمارسون فيه طبيعتهم الإنسانية، دون فرض قوانين سوى قوانين الضمير؛ ودون رقيبٍ، سوى الذات التي تحكم الأخلاق. وهكذا صار فيه العديد من الأزواج والأخوان، بعد أن كانت أسماء أمهاتهم عورة وعيبا، باتوا يضعون ضمن معلوماتهم إشارة إلى صفحات ومعلومات زوجاتهم وأخواتهم وقريباتهم الإناث؛ بل وكثيرون منهم باتوا يتقبلون في قائمة زوجاتهم وقريباتهم وجود أصدقاء غرباء ذكور، يتواصلن معهم. والمدهش فعلاً؛ أن تجد العديد من المتدينين الملتحين، وإن كانوا ما يزالون يحجبون قريباتهم في صفحاتهم؛ إلا أن قوائم أصدقائهم فيها عدد بارز من الصديقات الإناث أيضاً، هذا الأمر أبداً لا نراه على أرض الواقع، لكنه بات معلناً في الواقع الافتراضي.

كلاكيت أول مرة:

حتماً أن الفيس بوك سهل كثيرا على السعوديين أن يوصلوا أصواتهم، وقضاياهم، ومشاكلهم التي كانت تقف أياماً وأشهراً في ملفات (الورق الأخضر) على أبواب مسؤولي وزاراتهم، و(المعاريض) التي تُدفن في أدراج مديري مكاتبهم، ممن يحيطون أنفسهم بهم كوجاهة اجتماعية، يتناسون معها خدمة المواطنين؛ وذلك عبر حملات الشباب السعوديين أنفسهم ضد الفساد الإداري، أو المالي، في جهات ومؤسسات معينة، أو حملاتهم ضد مسؤولين لا يتفاعلون مع المواطنين.

والأجمل أن المسؤولين مهما كانت مناصبهم باتوا محاسبين من المواطنين، وقيادة الدولة أيضاً، فالفيس بوك يضعهم (تحت عين المجهر)؛ واليوم أشيد بتفاعل أمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر مع شباب الفيس بوك في(أبي عريش) وحملتهم عبر صفحة أسسوها، وأثاروا خلالها قضايا وشكاوى عديدة عن تعثر الخدمات التي يعاني منها ساكنو محافظتهم؛ وهو ما نشرته صحيفة الوطن الأسبوع الماضي؛ حيث أمر الأمير محمد بالاجتماع مع الشباب أنفسهم، والمواجهة مع المحافظ، والوقوف على حقيقة تلك الشكاوى. وهو أمر أتمنى فعلاً أن يقتدي به بقية المسؤولين على مستوى المناطق والوزارات، فلم يعد الفيس بوك مجرد تمضية لوقت الفراغ أو التسلية؛ بل بات داراً افتراضية للسعوديين، يسكنها ما يزيد عن ثلاثة ملايين، وجعلت السعودية ثاني دولة عربية ـ بعد مصرـ في عدد مستخدمي الفيس بوك.