من حين بدء المنازعات ورفع القضايا إلى حين الانتهاء منها، ثمة ثقافة قضائية وحقوقية يجهلها الكثير من المتخاصمين، وهذا النوع من الجهل قد يطيل أمد التقاضي، ويضيع أوقات القضاة، ويزيد من تراكم القضايا، ويساهم في تأخير صدور الأحكام.. كل هذا بسبب عدم معرفة معظم المتنازعين أنظمة التقاضي الشرعية والقانونية، وكيفية سير القضايا، عوضاً عن جهل كثير من الناس بالحقوق ما لهم وما عليهم.

لأجل ذلك وغيره، قدم فضيلة رئيس محاكم جازان الشيخ علي بن جده منقري، محاضرة في مركز الخدمة الاجتماعية بجازان، أعدتها لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية برئاسة الشيخ محمد العضابي، وقدمها أستاذ اللغة الإنجليزية أيمن عبدالحق، وحضرها رئيس المركز الأستاذ خالد معافا، وعدد من إعلاميي ومثقفي المجتمع الجازاني، ومسؤولي الدوائر الحكومية، من بينهم أمين منطقة جازان المهندس عبدالله القرني.

قبل أن أنصت إلى المحاضرة، كنت على علم بأن المحاضر من رجال العصر علماً وفقهاً وقضاءً وأدباً، إلا أنني كنت أجهل أنه أحد رواد المعرفة بتقنيات العصر، حتى أخذ يحاورني فيما أثار انتباهه مما أكتب في صحيفة الوطن، قائلاً إنه يراجعها وغيرها لغيري عن طريق جهازه الشخصي الآيفون، فضلاً عن استخدامه لمحرك البحث جوجل إيرث عندما يتطلب منه الأمر ذلك.

إن شخصية قضائية كهذه لجديرة بأن تثير اهتمامنا كمجتمع معاصر ونحن نراها تواكب حركة العالم وتطوره.. تؤثر في الآخر وتنقل خبراتها إليه، وتستفيد منه.

كان فضيلته بالغ الشفافية في محاضرته، يتحدث بلغة يفهمها الجميع بينما يستعرض أنواع المحاكمات والمحاكم، مستخدماً من البلاغة في التشبيه ما يصعب على الذاكرة نسيانه، موضحاً الاختلاف بين اختصاصِ محكمةٍ وأخرى والقضاء وكتابة العدل، معرجاً على آداب الطعون والاستئناف، وقبول الأحكام، منوهاً إلى استثمار الدور الاجتماعي لعُمَد الأحياء في إقرار التراضي بين المتخاصمين دون الحاجة إلى المحاكم، مشيراً إلى أن قضاتنا هم الوحيدون الذين يعملون بنظام الدوام اليومي، بينما في الدول الأخرى لا يحضر القاضي إلا يوم إصدار الحكم بعد اطْلاعِه على ما توصل إليه فريق العمل المختص بالنظر في القضايا.

لقد تطرق فضيلته إلى الكثير مما ينبغي أن يَفرد له مجالنا الإعلامي صفحاته لنشر الثقافة القضائية التي نحتاج إليها.