قبل فترة ليست بالبعيدة، أساء أحد المعارضين الرسميين المقيمين في الولايات المتحدة فهم حبي ومجموعة من الزملاء للوطن وحماسنا لأن نكون جزءا من التغيير والإصلاح الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. أساء هذا المنشق الفهم واتصل بي ولم أرد، ثم أرسل رسالة على الجوال يعرف باسمه ولم أرد كذلك. وبعد ذلك بأيام، قال لي صحفي أميركي: هل تود أن تكتب مقالا فكرته "صوت شاب سعودي في ربيع التغيير العربي" وتتحدث عن الثورات في تونس ومصر؟! بكل بساطة هكذا، يأتي إليك شخص ويخبرك ماذا تكتب ويريدك أن تكون أداة بيده، فكانت الإجابة بالرفض كذلك. الرفض الأول لسبب، لا يمكن التعاطي مع الحركات الحزبية المنشقة أو المعارضة للدولة، لأني وزملائي الشباب الذين نطمح أن تكون السعودية الأجمل والأفضل لا نرتضي أن نصنف في قوائم المعارضين أو الانفصاليين تحت أي ظرف من الظروف، وهذا ما أسيء فهمه في الأيام الماضية حين سعت مجموعات شبابية بتوقيع بيانات إصلاحية، البعض توقعها أنها انشقاق وتمرد، غاب عنهم أنها نابعة من حب ومحبة للمليك والوطن.

الثورات العربية التي أزهقت فيها الأرواح، ومازالت كذلك في سورية واليمن وليبيا، ونسأل الله أن يعجل باستقرار تلك الدول وحفظ أرواح أهلها ورفع الظلم عنهم، يقابلها تنمية واستقرار كبيران في السعودية. تنمية علمية وثقافية، واستقرار سياسي من خلاله مازالت المملكة تلعب دور القائد في المنطقة العربية. هذه التنمية تتطلب المشاركة الحقيقية من شباب الوطن ذكوراً وإناثاً، بدلاً من الجلوس مع الجماهير المحبطة، ومحاولة تصيد الثغرات والعثرات وجعلها هي المحبط الأكبر.

هذه الثورات كانت نتيجتها في السعودية – للأسف – مجموعات لديها شعور ثوري متنامٍ، لا تقبل الرأي الآخر وتؤمن به، وتعتبر أنها هي الأقرب للصواب والحقيقة وأنها الأصلح على وجه الأرض. لم يكن الإصلاح والنصح والتغيير يوماً من الأيام مرتبطاً بفئة دون أخرى، ولم يكن الصلاح والبصيرة مختصا بهما مجموعة من البشر دون غيرها... لكن موجة التغيير التي عصفت بالعالم العربي أبرزت على السطح مجموعات الثورة العاطفية الإلكترونية التي بدأت بتصنيف السعوديين وتخوينهم والمزايدة على وطنيتهم للأسف. وكان أول موقف أتعرض له معهم حين كتبت مقالاً نشر في 24 فبراير 2011 في "الوطن" بعنوان "حقوق آمن بها الملك"، وكانت ردة الفعل الإلكترونية المضحكة من البعض حين كانت تتوقع مني أن أكون معارضاً أو متحدثاً باسم المحبطين وأن أنتمي لفئات الثورة الإلكترونية وأجنحتها. وهذا للأسف ما يحدث الآن، فئة ترتاد الصفوف الخلفية من كل مشروع تنموي أو قرارات إصلاحية، ولا يعجبها العجب ولا الصوم في رجب، وتريد أن تنتقد وتصعد، وحرية الرأي لها مكفولة بالطبع، ولكن لا يحق لها تخوين الآخرين ومطالبة الجميع أن يكونوا ضد الدولة وضد القرارات الملكية.

Google في مراحلها النهائية الآن لشراء مشروع بحثي قام به بروفيسور في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، أولا يعتبر ذلك إنجازا سعودياً يستحق الإشادة، لم يبحث عنه أحد، ولا يشيد به أحد؟ ولكن الدولة لا تطلب أن يشيد أحد بإنجازاتها بالشكل الذي يفقد الإنجاز لونه ورائحته حتى، لكن تحكيم العقل مع كل أمر مطلوب قبل كل شيء. والأحداث التي تموج بنا ستهدأ، وتموت العواطف وتبدأ العقول من جديد في التفكير بما يشغلها.

كلنا أبناء هذا الوطن، نحبه ونغار عليه، وكل في موقعه يتمنى أن يكون جزءا من التغيير والإصلاح. والتنمية الحالية تحتاج سواعد أبنائها وعقولهم، ومن لا يرد المشاركة في التنمية والإنجاز والتغيير، ويرد أن يكون فقط جزءا من مسلسل "النياحة" العربية، وأن يكون ظاهرة صوتية فعلاً، فليفعل ذلك. السعودية تتسع للجميع، تتسع لجميع أبنائها. ومنهج النقد تبناه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حين طالب الجميع بالنقد، وقال ـ حفظه الله ـ إنه يطلب من الجميع النقد وإنه لا يتردد في نقد نفسه، وقبل أسابيع طالب الجميع بالصدق. النقد والصدق، وتحكيم العقل لا العاطفة، هي من الأسس التي يدعمها خادم الحرمين الشريفين في منهج النقد والإصلاح الذي تبناه.

قبل أسبوع، كتب الزميل العزيز تركي الدخيل مقالاً في "الوطن" بعنوان "سيدي مولاي أبو متعب".. وتحدث فيه عن كلمة خادم الحرمين الشريفين التي قال فيها مخاطباً الشعب "أنا خادم لكم.. بل أقل من خادم"، ردة الفعل المؤلمة ضد الزميل الدخيل في بعض مواقع التواصل الاجتماعي أنهم نقدوه حين كتب هذا المقال! إنها حالة الثورة العاطفية والهوس في الهجوم والنقد. من حق الجميع أن يمتدح ويشيد، ولا يقبل أحد أن يتم وضعه في خانة الخونة أو المعارضين، كما لا يرضى أيضاً أن يمارس عليه أفراد وصاية فكرية، وينتزعوا منه حب الوطن. ماذا كان يقول هؤلاء قبل ثورتي مصر وتونس؟ هل كان الحس المتعالي ضد كل من يحب الوطن هو نفسه؟ هل كانت لغة التخوين موجودة بهذا الحدث؟. ألف وصف ووصف يمكن أن يطلقه عليك هذا أو ذاك، خائن، انبطاحي، حكومي، وغيرها. كلها وأكثر يمكن أن تجدها أمام عينيك لو حدث لك امتداح مسؤول أو مشروع حكومي.

بناء الإنسان في هذه المرحلة التنموية المهمة في المملكة من أهم الواجبات، وهو ما تقوم به الدولة وتحرص عليه من خلال افتتاح الجامعات ودعم المشاريع البحثية، وما علينا إلا أن نكون شركاء في التنمية وبناء الفرد، وتوجيه النقد الصادق للمسؤولين من خلال القنوات الرسمية أو الإعلامية، نقداً لا تخوين فيه ولا تحريض، هدفه البناء والإصلاح لا الهدم.