صديقي رجل له وظيفة مرموقة ويتقاضى راتبا ممتازا مضافا إليه راتب معلمة الأجيال زوجته، واتوقع أنه لو سكن في دولة أخرى لتملك بدخله الجيد منزلا جميلا يحتويه وعائلته، ولكن مثله مثل الأغلبية من أبناء جيله لا يملك شبرا واحدا على أرض الوطن. صديقي معلق (بين السماء و الأرض) مثل الكثير من المعلقين، يسكن في شقة من خمس غرف وخمسة شبابيك صغيرة، و ليتمتع بضوء شمس الوطن يخرج من منزله، ويفترش أحد الأرصفة، أو يقود سيارته التي بها شبابيك أكثر من عدد الشبابيك في منزله، مؤخرا بدأ رحلة البحث عن منزل أكبر تصل له أشعة الشمس ويدخله الهواء، أو حديقة صغيرة يشرب بها الشاي، أو حتى مساحة صغيرة(حوش) من أجل أن يلعب بها أبناؤه، ولم يجد أي شيء لقلة العرض مقابل الطلب على الوحدات السكنية، فأصحاب الوحدات السكنية يطالبون بمبالغ خيالية مقابل إيجار شقق أصغر من شقته أو دوبلكس أو منزل صغير، وهو مقتدر و لكن غير مقتنع بأن يدفع مبلغا خياليا مقابل إيجار منعدم الخدمات. هدأ صديقي عن البحث و قرر مجبرا الاستمرار في سكنه المظلم إلا من مصابيح الكهرباء، و في يوم وهو يبحث في الصفحات الصفراء لشركة الاتصالات عن رقم هاتف متعهدي توريد المياه النظيفة المحلاة للمنازل (وايتات) وجد إعلاناً يملأ الصفحة عن مجمع سكني مرموق و كأنه منتجع في إحدى الدول السياحية، والإعلان يؤكد أن به خدمات صيانة دورية وملاعب وأنواع الترفيه، مما دعا صاحبنا بأن يسمح لنفسه بأن يعيش الحلم للحظات، وبعدها لفت انتباهه أن الإعلان موجه إلى غير المقيمين المغتربين من بلادهم، ومع ذلك لم يتردد عن الاتصال، فأجابه عامل السنترال (فلبيني) و بحكم أن صاحبنا السعودي مثقف و ضليع بأكثر من لغة، تحدث معه بطلاقه باللغة الإنجليزية مما جعل موظف السنترال يظن أنه رجل غربي، فرحب به و بدأ يسأله عن عدد أفراد العائلة، ويصف له أنواع الوحدات السكنية و يخبره عن أسعارها الغالية نوعا ما ولكن المتوافقة مع الخدمات المقدمة، وأخبره عن البرامج المتوفرة للرياضة واللياقة البدنية، والمكتبة والمسرح وقاعة الاجتماعات والمجتمع المتشارك في المجمع ...إلخ، وفي آخر المحادثة سأل موظف السنترال صاحبنا من أي دوله يكون، وقالها بكل فخر أنا سعودي، وهنا وجد تغيرا مفاجئا في نبرة صوت صديقنا الفلبيني، وبأسرع من أن يستوعب صاحبنا سبب تغير اللهجة، أتاه الجواب الشافي لا ياسيدي نحن لا نؤجر لسعوديين، المجمع فقط للأجانب .