ما زال المعرض الحضاري الاستثنائي الذي يحتضنه متحف اللوفر العريق في العاصمة الفرنسية حول طرق العربية يهز الأوساط الثقافية الفرنسية، وتتناقل أخباره مختلف وسائل الإعلام بشكل يتناسب وأهمية الحدث.
"الوطن" توقفت مع المنتجة التلفزيونية الفرنسية فيرونيك رادوفيك، التي ترتبط مع المملكة العربية السعودية بعلاقات ثقافية متميزة، حيث قدمت للتلفزيون الفرنسي أكثر من عمل وثائقي ثقافي يحتفي بالحراك الثقافي في السعودية، وكان هذا الحوار:
ما هي انطباعاتك عن "معرض طرق العربية" الذي يحتفل به متحف اللوفر هذه الأيام؟
بشكل عام يصعب وصف المشاعر التي تنتمي إلى عالم الدهشة، تلك التي قال عنها أرسطو بأنها أول ما يدفع الإنسان للفلسفة. نحن أمام هذا المعرض نخوض في عوالم استثنائية بين المبهر والمدهش والخارق للعادة، حيث يقدم المعرض صدمة ثقافية حقيقة بالمعنى الحضاري للكلمة، والتي تجعل المرء أمام إحساس عميق بأنه يرى هذه الأشياء، أو هذه الحقائق لأول مرة في حياته. وحيث تمنح الكنوز الرائعة التي يقدمها المعرض للزائر فرصة للحوز على ثروة ثقافية وحضارية؛ تضيف للعقل أبعادا واسعة من المعرفة والعلم بجذور الحضارة الإنسانية. والتعرف عن قرب عن تلك الأبعاد الحضارية التي لم تكن معروفة عن السعودية.
تشددين هنا على مفهوم الدهشة، ما الذي أدهشك أكثر فيما قدمه المعرض من مخزون؟
أستطيع أن أؤكد، أنني استشعرت الدهشة الوجودية أمام كل قطعة، وكل صورة، وكل جزء، لكنني بكل تأكيد قد تأثرت بصورة أعمق أمام باب الكعبة، خاصة أنني كنت في زيارتي الأولى مع صديقة مسلمة وعايشت في نفس اللحظة مدى تفاعلها وتأثرها أمام هذا الصرح الحضاري الرائع، إلا أنه يجب ألا ننسى أن اختيارات المعروضات هي على جانب خرافي من الجمالية، وقد فتحت الباب واسعا أمام آفاق لا متناهية من الكشف والاكتشاف الذي يعطي صورة عميقة عن الجذور الحضارية الضاربة في القدم التي تستند إليها الذاكرة السعودية.
هل تعتقدين أن لهذا المعرض أصداء أبعد من باريس؟
إن طبيعة عملي تفرض علي التنقل عبر بلدان العالم، وقد سمعت أخبار هذا المعرض حتى قبل انطلاقته في بلدان عدة بما في ذلك الصين. ولعل أجمل مقال قرأته عن الحدث هو الذي نشرته نيويورك تايمز حيث تؤكد على هذا البعد الحضاري المجهول للمملكة، وتثني فيه على الشجاعة الاستثنائية للقيادة الثقافية في البلد التي قررت أن تحتفل بالإرث الحضاري للمنطقة حتى ذاك الذي يسبق الإسلام، بينما كانت الاحتفالات في العادة تقتصر على الموروث الإسلامي.
من خلال الشريط الوثائقي الذي تشاركين به في إطار هذا الحدث، والذي سيختتم أعمال المؤتمر العالمي عن آثار المملكة الذي ينظمه اللوفر في نهايات سبتمبر، تؤكدين على أن التواصل الحضاري بين المملكة والبلدان الأوروبية قد تم منذ قرون، من خلال الرحالة الأوروبيين الذين استكشفوا المنطقة، هل يتعرض الشريط لهؤلاء الرحالة وعلاقتهم بالموروث الحضاري الذي يقدمه المعرض؟.
يجب أن نشير إلى أن هذا الشريط الوثائقي لا يزيد عن خمس عشرة دقيقة، بحيث إنه ومهما كانت النية في تحميله أكبر قدر من المعلومات يظل قصيرا. وهو يرصد بدايات المحاولات الاستكشافية الأوروبية الأولى التي حاولت التعرف على هذه الحضارة، خاصة في فترة كانت فيها المسافة الثقافية والتاريخية تباعد بين الضقتين. على النحو الذي يشكل معه ترحال هؤلاء الرواد أولى مبادرات التواصل بين الشرق والغرب، أو بين الجزيرة العربية والفضاءات الغربية بشكل عام. وفق هذا المعنى يرصد الشريط للكثير من الأبعاد التي يستند إليها معرض اللوفر عن طرق الجزيرة العربية، والتي جاب مسافاتها هؤلاء الرواد ورصدوا ما شاهدوه خلالها. حيث نتعرض لهذه الرحلات في أبعادها الثقافية ومردود اكتشافاتهم على الوعي الأوروبي بشكل عام، وما تؤسس له هذه المبادرات من بداية حقيقية للعلاقات المعنية بن الشرق والغرب.