لا يعني، في المطلق، أن تكتب، مثلاً، عن الهدف التاريخي لسعيد العويران في مرمى بلجيكا بالنقد أو الإيجاب، ثم يظن أحد أنك بنقدك تستطيع أن تسجل هدفاً أفضل منه. لا يعني أن تكتب نقداً عن أداء مسؤول التعليم ثم يعتقد أحد أنك ستكون أفضل من ذات المسؤول لو أنك جلست على كرسيه. لا يعني أن تنتقد أداء الخطوط السعودية، مثلاً، أنك ستكون الأكفأ لو أنك جلست على رأس الهرم. نحن الكتاب نمارس مهمة النقد الاجتماعي والثقافي ولكننا في داخل أنفسنا، أو قليلاً منا، يعترف أنه يكتب عن المثاليات الأخلاقية التي يصعب عليه تطبيقها في حياته العامة. نحن تماماً مثل محللي القنوات الفضائية الرياضية: يوسعون مارادونا ومنتخب البرازيل وبرشلونة ونادي الهلال بالضرب تحت الحزام وهم حتى أقل ضحالة من أن يعطوا خطة تدريب للفريق الرديف العاشر لهذه الفرق الرياضية العملاقة. لا تظنوا أننا، طابور الكتاب، حين نكتب عن الفقراء أننا نعيش ذات مآسيهم اليومية. نحن بكل صراحة مطلقة ننتهز أوضاعهم الإنسانية الموجعة من أجل مزيد من الانتشار والشعبوية. نحن نكتب عن مؤسسة الفساد ولا ندري أننا قد نكون جزءاً لا يتجزأ من هذه المنظومة. نحن نكتب المثاليات البراقة ويظن الساذج البريء أننا ملائكة في أثواب البشر. نكتب عن حقوق النساء، مثلاً، ونحن نمارس الذكورية البطركية. نكتب عن سيرجي بوبكا، قافز الزانة الأشهر في التاريخ الرياضي ونحن لا نستطيع أن نقفز نصف متر عن سطح الأرض. نكتب عن هدف سعيد العويران التاريخي ونحن نعرف تماماً أنه كان صدفة نادرة لا يستطيع حتى هو بشحمه ولحمه أن يكرر ذات المراوغة حتى في مرمى نادي الفرسان في مسقط رأسي بسراة عبيدة. لا تأخذوا على الدوام أن كل ما نكتبه من مثاليات هو ما نمارسه في حياتنا اليومية. نحن مثل لاعبي دوري المحترفين الذين يتحدثون عن أخلاقيات الرياضة والروح الرياضية وينتهي الدوري بألفي بطاقة ملونة وبعشرات التهم في كل مناحي خرق القانون الأخلاقي للرياضة.