يعتبر نائب رئيس الجمهورية العراقية، السيد طارق الهاشمي، من القيادات الأساسية في القائمة "العراقية"، التي تقدمت باقي القوائم المتنافسة، في الحصول على أكبر عدد من المقاعد النيابية. إلا أنها ورغم ذلك، لم تستطع تشكيل حكومة جديدة حتى الساعة، بسبب "الخلاف في تفسير مادة دستورية"، وهو الأمر الذي يرى الهاشمي أنه ناتج عن أسباب أعمق من ذلك بكثير، معتبرا أنه خلاف منهجي بين فريقين في طريقة إدارة البلاد.
"الوطن" التقت نائب رئيس الجمهورية العراقي، الذي أوضح أن للمملكة دورا إيجابيا في دعم واستقرار العراق، وأن التأخر الحاصل في تطور العلاقات حاليا، مرده "الموقف السياسي" للحكومة العراقية الحالية، التي تؤخر توقيع اتفاقيات أمنية وقضائية بين البلدين، معتبرا أن الأمور ستتحسن في حال تولت "العراقية" رئاسة الوزراء، مؤكدا أنها لا تمثل "السنة" فقط، بل هي تتكون من نسيج واسع من مختلف أطياف المجتمع العراقي، معلنا في ذات الوقت تبرمه من "الدور الإيراني المعرقل"، الذي يؤخر تشكيل حكومة جديدة في بغداد، وهنا نص الحوار:
ما هي رؤيتكم تجاه الوضع العراقي القائم حاليا، وكيفية الخروج من مأزق تشكيل حكومة جديدة؟.
بعد سبع سنوات من التغيير الذي حصل عام 2003، مازالت أوضاع العراق صعبة، والتحديات التي تعرقل بناء مؤسسات الدولة كبيرة ومتنوعة، بل مازال أمامنا شوط طويل من أجل الإيفاء بالوعود البراقة، التي وعد بها العراقيون عشية الغزو، وما تحقق يتواضع أمام الكلفة العالية التي دفعها العراقيون، في الأرواح، والأموال، والفرص. نعم، العراق يشهد اليوم ربما أزمة سياسية، لا مثيل لها في تأريخه المعاصر، وهي نتاج تراكمات من إرث مثقل بأعباء جسيمة، وغزو لا مبرر له، وعملية سياسية انطلقت على أسس خاطئة، ودستور يعاني من قصور وعيوب، وسلطة فاسدة كرست الظلم والتحيز. أما فيما يتعلق بأزمة تشكيل الحكومة، فإن ما يطفو على السطح، هو خلاف حول تفسير نص مادة في الدستور، بينما الباطن أكبر من ذلك وأعمق. إنه خلاف بين مدرستين، الأولى تريد العراق لكل العراقيين، وتعبر عنها بجلاء ووضوح كتلة "العراقية"، وثانية تكرس عراق دولة المكونات، بحيث تتحول الدولة هنا إلى خادمة للحزب، أو الطائفة، أو المكون، دون أدنى إحساس بحقوق، بل ومشاعر المكونات الأخرى، ودون أي اعتبار لمصالح الوطن.
إعادة الانتخابات
في حال عدم الاتفاق على تشكيل الحكومة، هل ستعاد الانتخابات، أم ماذا سيكون عليه الوضع؟.
نأمل ألا تتحول الأزمة إلى استعصاء سياسي، وتنتهي المفاوضات إلى طريق مسدود. نحن في كتلة "العراقية" نتحسس شعور المواطن، ونسعى إلى تشكيل الحكومة بأسرع وقت، ولكن ليس بأي ثمن. وإذا ما استمر البعض في تعويق المفاوضات، بالإصرار على مطالب تعجيزية، فيها تكريس واضح لوضع مرفوض، فإن المصلحة الوطنية تستلزم أن نبقي مختلف الخيارات مفتوحة. إذ من غير المقبول السماح بحالة الشلل الحالية، إلى ما لا نهاية، لمجرد أن الحكومة تجد مصلحتها الذاتية في ذلك.
ترشيح المالكي
في حال إصرارالمالكي علي تولى رئاسة الحكومة، ماهي الخطوات التي سيتم اتخاذها؟.
موقفنا من ترشيح السيد المالكي لرئاسة مجلس الوزراء معلوم للجميع، على أن "العراقية" مع ذلك لا تحفظ لديها في التحالف أو الاتفاق مع ائتلاف "دولة القانون"، في حالة اعتراف الأخير باستحقاق "العراقية" الانتخابي، وحقها الشرعي في تشكيل الحكومة. "العراقية" سترفض سياسة الإذعان، أو فرض الأمر الواقع، وستتعامل مع هذا النهج بما يستحقه، ونأمل ألا يحصل.
تفكك "العراقية"
يراهن مخالفوكم السياسيون، على شق أو تقسيم كتلة "العراقية" بهدف إضعافها، هل ستنجح رهاناتهم؟.
لقد خابت آمال هؤلاء، رغم وسائل الترغيب والترهيب، وستبقى كتلة "العراقية" متماسكة وضمانتها في ذلك الشورى والقيادة الجماعية، واحترام اللائحة الداخلية، في صناعة القرار.
بين علاوي والمالكي
البعض اختزل الخلاف والجدل السياسي، إلى نزاع شخصي بين الرئيسين إياد علاوي ونوري المالكي؟.
لا. الخلاف أكبر من ذلك وأعمق، إنه خلاف بين مشروعين، ونرفض تحجيم المشروع وشخصنته. كما أن كتلة "العراقية"، وتحالف "ائتلاف دولة القانون"، يقودها فريق من زعامات معتبرة، توافقوا على القيادة الجماعية منذ البداية.
تناقلت وسائل الإعلام، أخبارا توحي بأن إياد علاوي، مرشح لمنصب رئاسي آخر، في حالة عدم حصوله على منصب رئيس الوزراء، كيف تعلقون على ذلك؟.
يتحدث الإعلام كما يشاء. حقيقة الأمر نحن رشحنا الدكتور إياد علاوي لمنصب رئيس الوزراء، باعتباره شخصية عامة لائقة بالمنصب، لكن وبنفس الوقت، لـ"العراقية" زعامات مؤهلة أخرى مرشحة، لمختلف المناصب الرئاسية، ونحن متمسكون بذلك أيضاً.
تأثير الجوار
هل تعتقد بوجود دول لها تأثير، لاستمرار الأوضاع في العراق على هذا الحال؟.
بالتأكيد هناك دول عديدة تتمنى استمرار الأزمة، كوسيلة لمزيد من إضعاف العراق، ولكل طرف أجندته الخاصة في هذا المجال.
الدول العربية، هل ترى أن دورها ليس كما ينبغي، في معالجة الوضع العراقي؟.
موقف الدول العربية قبل وبعد الانتخابات الأخيرة في السابع من مارس تطور نوعيا، ونأمل أن يتواصل بل ويقوى، حتى يعبر العراقيون أزمتهم الراهنة، ويصلوا إلى بر الأمان، ويشكلوا حكومتهم التي نأمل أن تكون مختلفة عن الحكومات السابقة، من حيث القدرة على إصلاح العديد من جوانب الخلل والقصور، وتراكمات إدارات فاشلة، وفي المقدمة منها العلاقات الثنائية بين العراق ومعظم الدول العربية.
الدور الأمريكي
هل ترون أن الولايات المتحدة الأمريكية، تقف عقبة في طريق تشكيل الحكومة؟.
لا، الولايات المتحدة تحاول فعل ماهو ممكن في إطار التزاماتها، طبقاً للاتفاقيات المبرمة، رغم أن نظرتها في حل أزمة تشكيل الحكومة تخالف نظرتنا، ومع تفهمنا لها، فإنها غير ملزمة لنا.
التدخل الإيراني
ما مدى دقة المعلومات التي تتحدث عن دور إيراني كبير في داخل الساحة العراقية، وأنها تعمل على عرقلة تشكيل الحكومة؟.
كثر الحديث حول هذا الموضوع، وإنما أكتفي بالإشارة في هذا المجال، إلى ما صرحت به القيادة في الجمهورية الإسلامية في إيران، في مناسبات عدة، بأن "لأمريكا مشاكل في العراق وأفغانستان وغيرها من المناطق الساخنة في الشرق الأوسط، وعلى أمريكا أن تتكلم معنا إذا رغبت بالحل"!. ورب جملة أبلغ من كتاب. إيران نعم، تعرقل تشكيل الحكومة، وتفرض شروطها وولاءاتها على القريبين منها، ولولا تدخلها، لكان العراقيون قد نجحوا في تشكيل الحكومة منذ أشهر. لم يعد الأمر سراً، بل الجميع يعلم به علم اليقين، وإيران تعلن عن ذلك، وبشكل سافر.
رئاسة الجمهورية
قلت إنه آن الأوان لأن يكون رئيس العراق "عربيا سنيا"، فهل معنى هذا أنك تعد نفسك للرئاسة؟.
الإعلام حمل تصريحي فوق ما يحتمل، وتصريحي لم يتجاوز التعبير عن شعور انطلق من ثلاثة اعتبارات، أولها: الحد من ظاهرة المحاصصة العرقية والطائفية، وثانيهما: تكريس تداول السلطة، وثالثهما: الاعتبارات الاستراتيجية، وعلاقة العراق بمحضنه العربي. نعم، صرحت بأهمية أن يكون رئيس الدولة هذه المرة عربيا، دون أن أحدد مذهبه، إذ لا يفوتني في مثل هذه التصريحات حقيقة تنوع المجتمع العراقي، مذهبياً، ودينياً وثقافياً، وقومياً. كما أني لم أقصد إطلاقاً أن أجرح مشاعر أحد، والدستور يسمح لي ولأي عراقي أن يعبر عن آرائه بحرية. مع ذلك، فإن طارق الهاشمي لن يدخل مزاد المناصب الرئاسية أو السيادية، مع الآخرين، انطلاقا من القاعدة الشرعية "طالب الولاية لا يولى"، رغم قدرتي وإمكاناتي التي تؤهلني لإشغال هذا المنصب، أو أي منصب مرموق آخر، وأنطلق في ذلك من الحديث الشريف "رحم الله امرأ عرف قدر نفسه". وأترك القرار لرغبة العراقيين وخياراتهم، في المفاضلة بين اللائقين لمختلف المناصب في إطار مصلحة الوطن العليا، وليس لأي اعتبار آخر.
تمثيل العرب السنة
كتلة "العراقية" متهمة بأنها تمثل العرب السنة، ما مدى صحة هذا الحديث؟
رغم الثقل الكبير للعرب السنة في الكتلة، لكننا نرفض هذا التوصيف، ذلك لأن الانتماء للكتلة ابتداء، لم يجر على أساس طائفي، أو عرقي، أو ديني، بل على الأساس الوطني، لذلك ينبغي النظر لكتلة "العراقية"، باعتبارها عراقا مصغرا، لأنها استقطبت ممثلي مختلف المكونات الاجتماعية، وتبنت مشروعاً وطنياً حقيقياً، معيار المواطنة والانتماء للوطن فيه، مقدم على أي معيار انتماء آخر.
زيارة المملكة
ماهي أهداف زيارتكم للمملكة، وماهي أهم الموضوعات التي تناولتها في لقائك مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز؟.
الزيارة كانت أساساً لأداء العمرة، بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وتشرفت خلالها بلقاء خادم الحرمين، واستمعت إلى نصائحه وملاحظاته، وهي تصب في صالح عموم الشعب العراقي دون تمييز. وهذا هو اللقاء الثاني خلال شهرين تقريباً، بعد لقاء "الجنادرية"، وأنا سعيد باهتمام الملك عبدالله، وأتفهم قلقه على أوضاع العراق، ورغبته في أن يجتمع العراقيون في القريب العاجل، ودون تدخل أو وصاية خارجية، على وصفة سياسية مناسبة، تخرج البلد من أزمته الراهنة. وكانت لي بعد ذلك لقاءات عدة، مع بعض السادة الأمراء، وفي المقدمة لقائي في مكة المكرمة مع النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز.
الاتفاقية الأمنية
الأمير نايف بن عبدالعزيز، أعلن أن المملكة انتهت من مراجعة مسودة الاتفاقية الأمنية، بينها وبين العراق، أين وصلت خطوات توقيع ومن ثم تطبيق الاتفاقية، وماهي العقبات التي تؤخر المباشرة بها؟.
ذكرت أن سجل العلاقات الثنائية بين العراق من جهة، وأشقائه الدول العربية، وفي المقدمة منها المملكة العربية السعودية، ستجري مراجعته على جناح الأسبقية، من قبل الحكومة المقبلة، ومن بينها العديد من الاتفاقيات الأمنية، التي مازالت معلقة دون مبرر. وأنا على يقين بأن الدول العربية في ضوء ذلك، سوف تستجيب بسرعة، وتعمل ما بوسعها، من أجل تطبيع، بل وتعزيز العلاقات الثنائية مع العراق، في مختلف الميادين، ولدي وعود كثيرة من العديد من رؤساء الدول العربية، في هذا المجال.
الموقوفون السعوديون
كم يبلغ عدد السعوديين الموقوفين في العراق، وهل سيتم تسليمهم إلى المملكة؟.
ذكرت في مقابلة صحفية سابقة، أني اطلعت مؤخراً على تقرير وزارة "حقوق الإنسان"، الذي أشار إلى احتجاز بضعة عشرات من الجنسية السعودية. ومصير هؤلاء معلق، بانتظار توقيع الاتفاقية القضائية، التي أنجزت المملكة ما يتعلق بها مشكورة، وبقي على الجانب العراقي الرد. ولا مشاكل تحول دون التوصل إلى اتفاق، وإنما هو موقف سياسي من جانب الحكومة الحالية.