اتباعك للقواعد والقوانين وتطبيقها على نفسك وغيرك ـ بغض النظر عن مسماك الوظيفي وطبيعة عملك ـ يمنحك لقب نظامي مثالي بجدارة. لو كنت تطبق تلك القوانين والأنظمة بصورة آلية دون وضع اعتبار لحالات إنسانية استثنائية، مستعصية الحل معدومة الخيارات، فأنت حتما خلاط مولينكس الكهربائي والذي لا يفرق بين طحن خليط من الفواكه وإصبع طفل في الثانية من عمره. أما لو كنت من أولئك الذين يطبقونها كاملة على الجميع ويستثنون من هذا الجميع المتسللين عن طريق الواسطات أو القوى الخارقة، فأنت تنتمي حتما إلى فئة مجاري الصرف الصحي التي تكدست، فلم يتسلل منها إلا القاذورات الأكبر حجما والأقوى دفعاً.

أراهنك عزيزي القارئ أنك ستجد من بين عشرة موظفين: اثنين مثاليين وثلاثة خلاطات مولينكس وخمس مواسير صرف صحي.

السبت الماضي، شاهدت خلاطاً كهربائياً من موظفي المطار يأمر رجلاً كبيراً بالسن بالسير بين تلك الشرائط السوداء... إلى اليمين تارة وإلى اليسار تارة أخرى، دون الاكتراث لعكازه الذي ارتعش وأنفاسه التي تقطعت حتى سقط أرضاً، وظل الخلاط في مكانه ثابتا فلم يختصر عليه منذ البداية الطريق الملتوي بفتح أحد الشرائط وتمريره منها، ولم يهرع حتى لإنقاذه لأنه التزم مكانه كما هو مفروض عليه، فطبق القانون كآلة لا يوجد بها زر للإنسانية. على بعد خطوات من ذلك الخلاط مررت بماسورة صرف صحي يبلّغ أسرة بأكملها أن جميع حجوزاتهم المؤكدة منذ شهر قد ألغيت، وذلك لوجوب توفر مقاعد (خالية) لأشخاص قد يقررون في أي لحظة السفر!!

خلاط بالجامعة يرفض تأجيل امتحان طالب يرافق والده الذي تعرض لحادث ليلة الأمس، وماسورة مجاري تأجل امتحان شعبة بأكملها حتى يصل أحد الطلبة والذي مازال يحتسي قهوة الصباح في ستار بكس!!

خلاط ثالث يؤجل الحكم لسنوات في قضية امرأة ليست لها صلة أو معرفة في المحاكم، وماسورة لا تجرؤ في الأساس على الحكم إلا لصالح أقوام لا يطولهم النظام.

خلاط آخر يقوم بتنفيذ أقسى أنواع العقوبة مع فرض غرامات على من لا حول له ولا قوة لمجرد خطأ بسيط غير متقصد لم يضر به غير نفسه، وماسورة تغض الطرف عن من يتسبب في خسارة الملايين بشكل متعمد ويومي.

خلاط يموت بين يديه مريض لأن دوره لم يحن بعد، وماسورة تقتحم غرفة عمليات لتجميل أنف ابنة أحدهم بدلاً من استئصال ورم لمريض كان من المفترض أن يكون في نفس المكان والزمان!

زمن كهذا تطورت فيه أجهزة الخلاطات وأصبحت المواسير محصنة ومدعمة بجدران فولاذية ترتكز عليها. خلاطات ومواسير أنهكت التوازن والعدل وسحقت القوانين، بل وجعلت من نفس تلك القوانين أداة لسحق الإنسانية ولا أعلم حقيقة أيهما سبب تمادي الآخر في خطئه؟... نحن الذين نطئطئ رؤوسنا حينما يدور المشهد أمامنا!! أم هم الذين لا يطأطئون رؤوسهم وهم يغتالون المنطق بإسم اللوائح حيناً وباسم السلطة حيناً آخر!!