"منى توف"، برنامجٌ تلفزيونيٌّ كوميديُّ لاذعٌ ناقدٌ ساخرٌ غير متلفز حتّى الآن، تقدّمه فنّانةٌ شابّة موهوبةٌ يسمونها منى هلا، وينتجه شابٌّ غير متربّح، ويخرجه آخر مثله، يشاهده عشرات الآلاف، في العالم كلّه، وليس في حاجةٍ إلى أقمار صناعيّة، أو معرفةٍ بساعات البثّ والإعادة، و لا يقومُ عليه خبراءُ إعلاميون.

"منى توف"، لا يُعرض على قناة تلفزيونية فضائيّة، وإنما تُرفع حلقاتُه على "اليوتيوب"، وهنا السمة الأولى من سمات الجدّة، حيث الإعلام الجديد يصيرُ وسيلة الإيصال، مستغنياً عمّا سواه من وسائل مثقلةٍ بالرقابة والتكلّس والموافَقَات، والمحاذير، والخطوط الملوّنة.

"منى توف"، لا يُكلّف ـ إنتاجيّاً ـ مبالغَ طائلة، ولا يحتاجُ إلى فرق عملٍ كبيرة العدد والعتاد، وهنا سمةٌ أخرى من سمات الجدّة، حيث لم يعد الإعلام جانحاً نحو التعجيز، حتّى يصدر عن فئةٍ دون أخرى.

"منى توف"، عرضٌ إنتاجيٌّ يمكن أن تتسابقَ عليه عشراتُ القنوات الفضائيّة، وتختار له أفضل ساعات بثّها، وتسخّر له جميع إمكاناتِها، لأنّه قدّم عرضَه من خلال حلقاته النموذجيّة، لا من خلال الأوراق، والأفكار، التي قد تتلاشى.. وتتلاشى، حتى تصبح مسْخاً من الفكرة الأم، لا الفكرة الأم.

أثق أنّه سيصيرُ إلى إحدى القنوات، ليس بسببٍ من الفكرة، وإنما بأسبابٍ من: رشاقة الأداء، وحدثيتها، ومواءمتِها لأفكار الأغلبية الغالبين..

"منى توف"، يتجاوز، يبالغ، يجرّح، ويتطاول، حتى يصل إلى هاماتٍ فنّية لا يقبلُ معجبوها فيها إلا المدح المستطيل، والسلام المربّع، ولذا تتعرض منى وأعوانُها إلى حملاتٍ "يوتيوبية" عنيفة من جماهير الهامات، تشعر معها أنّ "منى توف"، رؤوفٌ رحيمٌ بمن ليس له موقف، ومن يلعب "بالبيضة والحجر"، ويسير مع الأقوى، وخلف المنتصر، بعد أن يتيقّن أنّ الأمور آلت إلى صالحه، وهو ما يذكّرني بمثلٍ شعبيٍّ عسيري مُغيّب وهو "رفيق امْسَالِم"..

و"رفيق امْسَالم"، هذا شخصٌ "براجماتي"نفعيُّ لا يُعارك، ولا يُشارك، وإنما يؤيّد السالم بعد المعركة، ليكون مع الفائزين.

"منى توف"، كان قاسياً على "رفيق امْسَالِم"، حدّ التجريح، إلا أن ردة فعل رفقاء السّالمين كانت أشدّ عنفاً ممّا يشي بأن "منى توف" "أرحم".

"منى توف"، يعرف الحدود معرفَةً جيدة حتى الآن, ويعرف الفروق الكبيرة بين أنظمة الحكم العربيّة، ولذا لا يأتي إلا على من يستحق النقد والسخرية.