بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية اضطر كثير من الدول الأوروبية إلى تخفيض إنفاقها على الدفاع بشكل ملحوظ. وبحسب تقرير أعده ستيفن لارابي وبيتر ويلسون من مؤسسة "راند" للأبحاث ونشر في أغسطس، فإن هذا الخفض قد يكون له أثر هام على التعاون الأمريكي ـ الأوروبي في مجال الدفاع خاصة مع بريطانيا وفرنسا. وهاتان الدولتان الحليفتان لأمريكا تواجهان حاليا خيارات صعبة، وتسعيان للبحث في كيفية تحديث مخزونهما من سلاح الردع النووي وكذلك قواتهما التقليدية.

الخيارات صعبة بالنسبة لبريطانيا على الخصوص. يقول مسؤولو الدفاع البريطانيون: إن ميزانية الدفاع قد يتم تخفيضها بنسبة تصل إلى حوالي 10 ـ 20% خلال السنوات الخمس القادمة في إطار محاولة تخفيض الديون. وتلتزم الحكومة البريطانية الحالية من حزب المحافظين مثل سابقتها من حزب العمال بالمحافظة على الرادع النووي البحري الدائم (CASD). وذلك يعني المحافظة على غواصة استراتيجية واحدة على الأقل في البحر في جميع الأوقات واستبدال الغواصات الأربع من نوع (فانجارد) بغواصات أحدث.


تكاليف الغواصات

قدَّر تقرير نشرته الحكومة البريطانية عام 2006 بعنوان "مستقبل الرادع النووي للمملكة المتحدة" الكلفة الإجمالية لاستبدال أربع غواصات من نوع (فانجارد) من 23 ـ 31 مليار دولار. هذه التكاليف ستأتي خلال الفترة 2012 ـ 2027 ومن المتوقع أن تشكل 9% من إجمالي ميزانية الدفاع الحالية. وقد صرَّح وزير الخزانة البريطاني جورج أوزبورن مؤخرا بأن تكاليف استبدل أسطول غواصات (فانجارد) سيتم تمويلها من ميزانية وزارة الدفاع. في السابق كانت تكاليف شراء الغواصات تأتي من خارج ميزانية وزارة الدفاع لذلك فإن تحميل تكاليف استبدال الغواصات على ميزانية وزارة الدفاع سيحد من قدرة بريطانيا على تحديث قواتها التقليدية وعلى مستوى قدراتها الدفاعية.

تعتمد الخطط الدفاعية البريطانية على افتراض أنها تحتاج إلى المحافظة على إمكانيات رد نووي عالي الكفاءة في حال تعرضت لهجوم مباغت من روسيا. ولكن منذ سقوط الاتحاد السوفيتي والتغييرات التي طرأت على البيئة الاستراتيجية بعد الحرب الباردة، هناك نظرية تقول إن بريطانيا وفرنسا بحاجة إلى حد أدنى من الردع النووي لمواجهة احتمال انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط خاصة في إيران. لتحقيق ذلك، يمكن لبريطانيا أن تستثمر في قوة نووية أصغر قوامها حوالي 100 سلاح نووي تعتمد على نوع متطوِّر من صواريخ كروز بعيدة المدى. هذه الصواريخ يمكن حملها على بعض القاذفات المقاتلة في سلاح الجو البريطاني وبعض الغواصات المعدلة في سلاح البحرية. ومع أن تطوير وشراء النوع الجديد من صواريخ كروز قد لا يؤدي إلى توفير كبير على المدى البعيد إلا أنه سيؤمِّن قوة ردع مستدامة استراتيجيا وماديا على المدى البعيد.

إعادة توجيه لفرنسا

ربما تدرس فرنسا إعادة توجيه مشابه خلال العقدين القادمين. وبعكس بريطانيا، تمتلك فرنسا نظامين للضربات النووية، أحدها يعتمد على الجو والآخر على البحر. ومن خلال شراء سلاح ردع نووي صغير ومتنوع تستطيع فرنسا أن توفر موارد هامة تستخدمها للمساعدة على تحديث قواتها التقليدية. للمساعدة في اقتسام النفقات، قد تفكر بريطانيا وفرنسا في فوائد التعاون في مشروع مشترك لتطوير صواريخ كروز لمواجهة أنظمة الدفاع الجوي المعادية في المستقبل.

تقول بعض التقارير: إن بريطانيا قد تخفض عدد قواتها من 100 ألف إلى حوالي 75 ألف جندي. كما اعترف وزير الدفاع البريطاني وليام فوكس بأن مخططات بناء حاملتي طائرات جديدتين قد يعاد النظر فيها لمواكبة الظروف الجديدة.

التشكيك بالمصداقية العسكرية

مثل هذا الخفض الكبير في ميزانيات الدفاع قد يقلل حماس بريطانيا لإرسال قواتها إلى الخارج. وتثير التخفيضات في الميزانيات الدفاعية تساؤلات هامة حول إمكانية اعتماد الولايات المتحدة في المستقبل على الدعم السياسي والعسكري القوي من بريطانيا وفرنسا خلال الأزمات كما كان يحدث في السابق. إن "العلاقة الخاصة" التي تربط بريطانيا مع الولايات المتحدة قد تضعف وتفقد جوهرها العسكري. وكذلك فإن قدرة فرنسا على أن تكون حليفا عسكريا حقيقيا للولايات المتحدة قد تتأثر سلبا بسبب الخفض الكبير في ميزانية الدفاع المخصصة للقوات التقليدية.

إذا لم تقم فرنسا وبريطانيا والدول الحليفة الأخرى بتنسيق خيارات تحديث قواتها المسلحة مع الولايات المتحدة فإن استراتيجيات جديدة قد تبرز على طرفي المحيط الأطلسي.