سأبدأ مقالي اليوم عن أمانة جدة وشوارعها، بنفس السؤال الذي ختمت به مقالي قبل يومين عن الخطوط السعودية، فأقول لمعالي الأمين الدكتور هاني أبوراس: هل سرعة الأداء الآلي في الأمانة تدل على أن المطالبة بأي شيء ميداني في الشارع مثل ردم الحفر نوع من اللامعقول؟ وسأوضح بصورة موجزة كالتالي:
نشرت هنا مقالين عن حفر شوارع جدة، الأول كان بداية الشهر الماضي والثاني في منتصفه، أمانة جدة اختارت المقال الثاني وردت عليه، ونشر ردها يوم الجمعة الماضي في "الوطن"، هب أن نشره تأخر لدى الصحيفة أسبوعاً فهل الإدارة العامة للطرق وإدارة الصيانة في الأمانة - بنظامها التقني العظيم الذي حصد عدة جوائز عالمية كما تقول – تحتاج إلى عشرة أيام لجمع معلومات عن أعداد الحفر التي ردمتها بواسطة ال GPS وعلى الآلية التقنية المتطورة التي تطبقها في مكاتبها، وهذا سبب سؤالي عن هذه السرعة الهائلة؟.
والآن إلى رد الأمانة الذي يؤكد ما ورد في مقالي السابقين من أن أمانة جدة تحولت إلى مركز تنظير وأبحاث، وبالتالي ضرورة تكرار المطالبة للأمين وكبار المسؤولين في الأمانة بأن يمنحوا مدينة جدة جزءا من أوقاتهم المكتبية وينزلوا إلى الميدان في جولات منتظمة، وسيجدون أن حساب الحقل يختلف عن حساب البيدر، أي أن تقارير النظام التقني المتطور التي يقرؤونها على الشاشات ويشاهدونها في عروض الـPRESENTATION تختلف كليا عن واقع الميدان، ومعنى هذا أن شوارع جدة تقول بوضوح لا نريد تنظيرا ولا دراسات، نريد معدات وعمالا ينزلون إلى الميدان ومعهم أسفلت وتراب، ثم يدفنون الحفر ويسفلتونها ويدكونها. الشوارع لا تريد رصد حفرها بالـGPS، بل تريد أناساً محدودي العدد عيونهم "مفتحة" وسيرون الحفر والشوارع التي تحتاج إلى ردم ورصف وسفلتة بأم أعينهم، أما ما جاء في رد الأمانة من أن فرق الترقيعات تصلح آلافا ـ لاحظ آلافا ـ فإنه يدل على فشل نظام الـGPS في الرصد لأن التقنية الحديثة تعطي أرقاما محددة، ولا تعطي حسابات على طريقتنا في الرصد العشوائي (عشرات، آلاف، ملايين)، ومن أجل هذا خلونا في نظام العيون الراصدة فهو حتى الآن أفضل.
هناك أسلوب عجيب غير مفهوم تفعله أمانة جدة حيال الحفر والشوارع، فهي فعلا تردم وتسفلت حفراً في قليل من الشوارع، لكنها تردم حفرة – مثلا – وتترك أخرى، أو ثلاثاً وترك خمساً، أو تسفلت جزءا من الشارع أو اتجاهاً، وتترك جزءاً آخر أو اتجاهاً آخر أسوأ من الذي سفلتته، وعلى سوء هذا التنفيذ فهو يحدث في شوارع قليلة وأحياء قليلة، ولذلك اعتبر أحدهم مثل هذا التنفيذ بمثابة غسيل الشوارع بالماء والصابون على سبيل الحلم المستقبلي، أما بقية الشوارع والأحياء وكثير منها يمكن تعدادها بالأسماء؛ فإن واقعها يقول إن أمانة جدة لا تعلم عنها ولم تشاهد واقعها المزري أبدا، لا بالأقمار الصناعية ولا بالعيون المجردة، بيد أن نظامي GPS – GIS يقولان لمعالي الأمين ولكبار المسؤولين عبر تقارير منتظمة أن الوضع تحت السيطرة! ولهذا على كبار المسؤولين هؤلاء وعلى رأسهم معالي الأمين؛ أن يختاروا يوميا أحياءً وشوارع عشوائية، من الجنوب والشمال والوسط والشرق والغرب، ويتجولوا فيها ليروا بأم أعينهم كم هو الفرق هائل بين شغل مكاتب الأمانة وتنظيرها، وبين الواقع المزري في الميدان؟ زوروها "كل سنة مرة"، لتطلعوا على نتائج برامج العمل المدروسة والمتوازنة التي تقرؤونها على الورق، أو على شاشات الكمبيوتر، وتأكدوا أن سكان جدة لم يعودوا يصدقون إلا أعينهم، وما تتعرض له سياراتهم من خلخلة وهلهلة.
الطريف أن أمانة جدة نفذت في بعض الأحياء مجموعة من الحدائق غاية في الجمال والتنسيق، لكن الوصول إلى معظمها يتم عبر شوارع غاية في القبح والرداءة، وهذا إما أنه يدل على تنسيق معدوم، أو على رغبة في أن يصل المتنزه إلى الحديقة ساخطا ليرتاح بعض الوقت ويرفه عن نفسه، ثم لا يصل إلى بيته إلا ساخطاً فيشتاق للحديقة من جديد طلبا للراحة. فهل لدى الأمانة مثل هذه الفلسفة التشويقية المبتكرة لحدائقها الجديدة؟ ربما.