تعودت على تصفح الصحف اليومية السعودية (ورقيا) يومياً، لأرى ما فيها بصورة آلية سريعة، أتوقف لأقرأ ما يلفت نظري تحت العناوين، أو بعض المقالات التي يهمني متابعتها يوميا أو أسبوعيا. يوم الأحد الماضي كنت مسافراً من جدة إلى الدمام بعد الظهر، تصفحت بعض الصحف في صالة الفرسان، والبعض الآخر على الطائرة لكنني افتقدت (عكاظ) سألت المضيفه وغيري سأل، قالت لم تصعد اليوم إلى الطائرة، فقلت في نفسي لعل الزملاء مع حمى التطوير تأخروا في الطباعة، لكنّ جاري في المقعد ـ وقد سمعني أسأل ـ قال: لقد منعوها ففزعت، قلت من منعها؟ قال: لا تفزع، الخطوط منعتها، وعكاظ اليوم نشرت ذلك، وهو ما تأكدت منه لاحقاً بعد الوصول.

الإخوة المسؤولون في الخطوط السعودية وبعضهم أصدقائي يكابرون، ويتجاهلون ما يعرفه الناس، وبالتالي يتصرفون بتخبط واضح، ويظنون أن تخبطهم القائم على نفي الحقائق، وإنكار الوقائع، وحجب الصحف عن الركاب هو الحل! والحقيقة أنه ليس حلاً، لكنه يفضي إلى المزيد من كشف ما يريدون ستره، بل ويفضح عجزهم عن معالجة التقصير الواضح، والأخطاء الفادحة، بشيء من الضوضاء التي يرتد غبارها إلى عيونهم وعقولهم.

خسرت السعودية بمنع عكاظ سمعتها (المتردية أصلاً) ورغبات كثير من ركابها، وكسبت عكاظ الموقف المهني والوطني والقارئ، ويكفيها أن كثيراً ممن سمعوا أن الخطوط منعتها راحوا يبحثون عنها بعد وصولهم.

الخطوط تعيش مأساة كبرى، للدرجة التي جعلت عملاءها الكبار في السن يتحدثون عن تاريخها قبل عشرين سنة، ويقولون أين ما كانت عليه قبل عشرين سنة من دقة واحترام عما أصبحت عليه، بحيث أصبحت مثلا في التدرج من السيئ إلى الأسوأ؟ والذين يقولون ذلك ليسوا في حاجة للمقارنة بينها وبين طيران الإمارات أو قطر أو الخليج أو حتى أسوأ شركة طيران، هم يقارنونها مع البديهيات التي يعرفونها عن سائقي (اللواري، والأبلكاشات) قبل خمسين سنة؛ فقد كانوا يتفقون شفهيا مع المسافرين على السفر في موعد معين، ويلتزمون به فإذا حصل طارئ يستدعي التأخير تجد معاوني السائقين يجوبون الحارات أو القرى لإبلاغ المسافرين بالطارئ الجديد وبالموعد القادم، هذه البديهية التي لا تفعلها الخطوط السعودية كافية للدلالة على مستواها، على الرغم مما وفرته التقنية لها من وسائل مثلها مثل غيرها، ولكن ما السبب في عدم احترام عملائها الذي تمارسه بكفاءة واقتدار ودون خوف أو وجل؟ وقبل أن أجيب أود أن أقول: إن عدم الاحترام هذا جزئية بسيطة، وأنا أركز عليها لأنها غير مكلفة أبداً، فهي مجرد كلام، ولكن كيف يتكلم الملجمون؟ والآن أجيب فأقول إن سائقي (اللواري والأبلكاشات) الذين أشرت إليهم أعلاه كانوا يحترمون معاونيهم فلا يحجبون عنهم أي معلومة، لا عن المواعيد ولا عن حال (الموتر)، بل ويكرمونهم في رواتبهم وحسن التعامل معهم، ولو التزم المعاون بشيء فإن السائق ملزم به ولو لم يعلم عنه مسبقا، أما الخطوط السعودية المبجلة فلا قيمة لموظفيها عندها، دعك من الرواتب والإدارة والمميزات فتلك قصة أخرى، لكن دعنا على مستوى (البلاش) وأقصد المعلومات؛ فموظفو الخطوط في المحطات الداخلية لا يحصلون على أي معلومات فورية حول أي رحلة تتأخر أو تلغى أو يتأخر أو يغيب فريق العمل عليها، وبالتالي يكونون دائما في حرج كبير مع الركاب فلا معلومات يقولونها، ولا عذر مقنعا يقدمونه، ولا يجدون حلاً في معظم الأحيان سوى الجفاء أو الاختفاء. ومن أجل ألا يتورط أخونا الذي نحبه عبدالله الأجهر غدا أو بعد غد في رد ينفي بناء على معلومات العمليات الأرضية أو (الكنترول) أقول له لا تفعل، فموظفو الخطوط في المحطات الداخلية كلها جاهزون لأي لجنة محايدة وعندها صلاحيات أعلى من الذين يعطونك التقاريرالمكتبية، أن يتحدثوا عما يكشف أموراً قد لا تخطر على بال النافين والمكابرين والمتخبطين، والعاملون في بقية المواقع لديهم معلومات بأدلتها بكل تأكيد. السعودية تحتكر سوق الطيران الداخلي ولا خيار للناس غيرها، وقد يقول قائل ألست تسافر عليها أسبوعياً، وأقول له: بلى إذن ما المشكلة؟ المشكلة أنني غير مطمئن أن أسافر في الموعد الذي أريده وحجزت عليه، وقد حدث كثيراً التأخير والإلغاء والمرمطة - وما معنى الثقة إذا كانت طمأنينتي المعدومة هي إحساس كل مضطر للسفر عليها - ولذلك أتحسب لأي طارئ، سيما أن الخطوط العزيزة لا تحترمني، وبالتالي لا تبلغني بما يحدث!

ركاب السعودية بلغوا مرحلة لا يريدون فيها مقارنتها بطيران الإمارات الذي انطلق بعدها ولا بغيره، يريدون مقارنتها بالاحترام الذي كان يفعله سائقو (اللواري والأبلكاشات) قبل خمسين سنة، احترمونا لوسمحتم يا مسؤولي السعودية، احترموا عقولنا وإنسانيتنا فقط، هل هذا صعب؟ مع الأسف الخطوط السعودية تحتضر، ولا ندري كيف يمكن إنقاذها!