أصدر صندوق النقد الدولي تقريراً جديداً عن دول مجلس التعاون يراجع فيه توقعاته السابقة ويصححها في ضوء التطورات الأخيرة سياسياً واقتصادياً.
ووفقاً لهذا التقرير؛ فإن من المتوقع أن تحقق دول المجلس معدلات نمو مرتفعة، بحدود 8% خلال عام 2011, وقُدر أن يصل حجم اقتصادها إلى 1.4 تريليون دولار، وهو رقم قياسي تاريخي.
وكان الصندوق قد توقع في شهر أكتوبر الماضي أن يكون نمو الاقتصاد الخليجي أكثر تواضعاً، في حدود 5.9%، وفي فبراير الماضي كان تقديره أكثر تشاؤماً، حين ظن أن التطورات السياسية في المنطقة ستؤدي إلى انحسار في معدلات النمو، ولكنه أعاد حساباته وغيّر توقعاته في تقريره الأخير.
ووفقاً لتقديرات الصندوق الجديدة، ستحقق دول مجلس التعاون نمواً بنسبة 7.8% خلال عام 2011، وهي نسبة عالية مقارنة ببقية دول العالم، التي ما زال نموها متأثراً بتداعيات الأزمة المالية العالمية وعقابيلها. فعلى سبيل المثال؛ تلقت اليونان صفعة أخرى من الأسواق المالية في الأيام القليلة الماضية، حين خُفض تصنيفها الائتماني مرة أخرى، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من تصنيف المفلسين العاجزين عن تسديد ديونهم. وما زالت إيرلندا والبرتغال تعانيان من أزمة ديونهما السيادية. أما في الولايات المتحدة، قطب الرحى في النظام المالي العالمي، فقد أُثير هذا الأسبوع، إمكانية إعلان عجزها عن تسديد بعض التزاماتها المالية!
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق قطر أعلى نسبة نمو قدّرها بـ (20%) خلال عام 2011، أي ضعف معدل نمو الصين، وربما أعلى مستوى نمو في العالم. وقدّر نسبة نمو المملكة العربية السعودية بنسبة (7.5%) خلال عام 2011، أما بقية دول المجلس فقد قدر نموها بنسب تتراوح بين (3.1%) و(5.3%).
ويمكن أن نفكر في ثلاثة أسباب رئيسية لارتفاع معدلات النمو الاقتصادي خلال عام 2011، هي:
- ارتفاع أسعار البترول، بنسبة قد تتجاوز 30% هذا العام، حسب الظروف السياسية للمنطقة، إذ إن هناك علاقة مباشرة بين الاضطرابات السياسية وارتفاع أسعار البترول.
- السياسات المالية التحفيزية، وبرامج الإصلاح والرفاه الاجتماعي التي تبنتها دول مجلس التعاون خلال هذا العام، وأكبرها الخطة التي تبنتها المملكة العربية السعودية في شهري فبراير ومارس الماضيين، وتجاوزت قيمتها (500) مليار ريال.
- الاضطرابات السياسية في المنطقة زادت من جاذبية دول مجلس التعاون كوجهات سياحية، بسبب استقرارها النسبي، كما أن الخطط التحفيزية قد زادت من جاذبيتها كوجهة استثمارية.
وقد ساهمت دول المجلس في نشر هذا الرخاء في المنطقة، ففي شهر مارس أعلنت عن إنشاء برنامج لتمويل مشاريع التنمية في البحرين وعمان بقيمة (20) مليار دولار، وفي شهري أبريل ومايو أعلنت عن حزمة مساعدات كبيرة لمصر، بلغت حصة المملكة منها أربعة مليارات دولار، وهذا الأسبوع أُعلن عن مساعدات سعودية للأردن بقيمة (400) مليون دولار، بالإضافة إلى برامج المساعدات المبرمجة سلفاً لفلسطين واليمن والسودان وغيرها، وكل هذه البرامج ستساهم في تعزيز معدلات النمو الاقتصادي خلال عام 2011.
أما الآن فإلى الأخبار السيئة، وأبدؤها بتحويلات العمال الأجانب. فمع أن صندوق النقد الدولي قد توقع ارتفاع ميزان الحساب الجاري في دول المجلس بنسبة 124% خلال عام 2011، بحيث يصل إلى 304 مليارات دولار، إلا أن تحويلات العمال ستستحوذ على نحو 25% منها. فقد قدّر الصندوق أن تصل تحويلات العمال الأجانب العاملين في دول المجلس إلى (75) مليار دورلار هذا العام، أي ما يعادل (281) مليار ريال سعودي، أو نصف ميزانية المملكة تقريباً! وبذلك ستتجاوز تحويلات العمال خلال عام 2011 ثلاثة أضعاف ما كانت عليه منذ عشرة أعوام فقط.
أحد أهم أسباب هذا الارتفاع الفلكي في المبالغ المحولة؛ هو بالطبع زيادة عدد العاملين الأجانب في دول المجلس. إلا أن هناك أسباباً أخرى تساهم في هذا الارتفاع، ففي دراسة استطلاعية قامت بها الأمانة العامة لمجلس التعاون منذ فترة، وجدنا أن أحد الأسباب الرئيسة هو عدم قدرة النظام المصرفي على توفير قنوات استثمارية مناسبة تجتذب جزءاً من هذه الأموال لإبقائها في الاقتصاد الخليجي ولو لفترة محدودة، في حين أن بنوك المنطقة قد بزت البنوك الأخرى في تصميم آليات وقنوات تحقق أسرع تحويل لتلك المدخرات من دول المجلس إلى الدول الأصلية للعمال.
أما بقية الأخبار السيئة فتشمل:
- الضعف المستمر في الدولار، وما ينتج عنه من انخفاض نسبي في قيمة إيرادات النفط.
- ارتفاع تكلفة الغذاء، وارتفاع تكلفة الواردات بشكل عام بسبب انخفاض قيمة الدولار، مما يُتوقع أن يسهم في ضغوط تضخمية.
- السياسات المالية التوسعية، المتمثلة في الإنفاق الحكومي، التي قد تساهم في ضغوط تضخمية إضافية، وعلى سبيل المثال: ارتفعت قيمة المبيعات في نقاط البيع في المملكة بنسبة تجاوزت 20% خلال شهر مارس.
- أن معظم النمو في دول المجلس سيتحقق في القطاع النفطي والقطاع الحكومي، أما القطاع غير النفطي فيظل راكداً نسبياً، بنسبة نمو لا تتجاوز (3.5%) خلال عام 2011.