لا تكاد تذهب إلى أي مكان في بلادنا، إلا وتسمع أطنانا من النصائح والعظات حول أخلاق المسلم وعفته، بل قد تجد من يُطرق كالزهاد عندما يسمع كلاما كهذا، ولو قدر لك وقمت بجولة بسيطة على ذاكرة هاتفه المحمول المختبئ عن العيون، لوجدت العجب وربما المخجل! فهذا الهاتف هو في حقيقته (الذاكرة/الكاميرا) الحقيقية المختبئة تحت الثياب حتى وإن تظاهر صاحبها بـ"الورع والتقى". وبعد أن كان المنطق العربي الشعبي "كل من إيدو إيلوه" ـ كما يقول الشاميون ـ أصبح الواقع هو "كل واحد بكاميرته، وذاكرته يخزن فيها كل ما لذ وطاب" وربما يفيد الأصحاب بما يتفضل به عليهم من مقاطع.

وفي الأحداث الأخيرة التي تمر بها بعض الدول العربية أصبح كل من في الشارع مخرجا تلفزيونيا محترفا، يصور أي شيء وكل شيء، والأدهى عندما يبثه عبر "يوتيوب" تحت أي اسم يخطر في ذهنه مثل "فضيحة فلان أو فلانة"، وعندما تدقق في الأمر لا تجد لا فضيحة ولا يحزنون، بل كل الأمر "تسويق في تسويق". المثير للتساؤل هنا: هو لماذا أصبحت لزمة "فضيحة" هي السر المعلن للتسويق، وخصوصا من رغب في شهرة كاميرته الصغيرة، التي قد تمر مرورا سريعا على بعض معالم وجهه "عمدا"، ليصبح بعدها أشهر من "لاري كنج" و "أوبرا ونفري" مجتمعين.

الحقيقة أن مواقع المقاطع المرئية مثل" يوتيوب" فضحت من خلال تتبع ما يبث تحت اسم "فضيحة"، ثقافة الملايين من أبناء وبنات العرب، ففي الوقت الذي تشاهد مقطعا غربيا عن لقطة نادرة لحدث من الطبيعة أو لتعريف بابتكار جديد، يحقق أرقاما قياسية جدا في المشاهدة، تحتل مقاطع "الفضائح العربية" الصدارة في المشاهدة المحلية، حتى وإن لم تقترب تلك المقاطع من المفهوم المعروف لـ"الفضيحة"، بل حتى آراء بعض الشخصيات المشهورة (المثيرة للجدل) في قضايا اجتماعية أو ثقافية جادة، تتحول لدى البعض في مجتمعنا إلى مقاطع "فضائح"، ليس لأنها تحوي كلاما غير لائق أو مشاهد خادشة للحياء، بل لأنها تطرح رأيا يختلف عن رأي أحدهم، فيجتهد ويتفنن في إخراج مقطع مرئي "يفضح" المختلف معه في الرأي، وطبعا سيكون العنوان "أسرع شاهد فضيحة فلان قبل الحذف...".