السيرة الذاتية، هذا النص السردي المخاتل الذي خضع بعد طول إهمال إلى الكثير من الإضافات المنهجية فيما يتعلق بالنظريات والمفاهيم والتطبيقات التي تحكم الممارسات النقدية تجاه هذا الجنس الأدبي الإشكالي، الذي أصبح يتعالق مع أجناس إبداعية أخرى خاصة الرواية، رغم تأكيد معظم النقاد ضرورة التفريق بين السيرة الذاتية والرواية.. ولتتوالد بعدها أشكال أخرى من الكتابة مثل الرواية السيرية، ورواية السيرة الذاتية، والسيرة الذاتية الروائية، والسير الذاتية الشعرية، وغيرها، متمردة على تعريف فيليب لوجون للسيرة الذاتية بأنها "حكي استعادي نثري يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، وذلك عندما يركز على حياته الفردية وعلى تاريخ شخصيته بصفة خاصة.

وقد أغراني هذا التداخل بين الأجناس والأنواع الإبداعية وتركيز لوجون على فعل الحكي والفردية وخصوصية التجربة الذاتية للكاتب بمقاربة هذا الجنس السيري وهذا النوع من كتابة الذات التي تدخل ضمن دائرة الاعترافات والبوح بالكتابة النسائية وأنماط البوح عند الكاتبة السعودية.

ووجدتني أبحث بين أسماء كتاب السيرة الذاتية السعوديين بنهم من تريد الانقضاض على فريسة سيرية أنثوية سعودية!. لكني لم أعثر على أي اسم لأي كاتبة سعودية سكبت بوحها على مفارق السيرة.. عن أي امرأة سعودية (واصلة) - بتعبيرنا الدارج - وجدت في مسيرتها العملية وتجربتها الحياتية ما يعد إنجازاً يستحق التسطير والتأطير ضمن دفتي كتاب سير- ذاتية! وتساءلت: أما من سيدة سعودية فاضلة من الرائدات والمبدعات المخضرمات من تملك سيرتها.. وتكتب ذاتها؟ ولا أي واحدة منهن! أهو نقص في الجرأة أم الجدارة؟ أم إنها النظرة الدونية لحيوات النساء وارتباطها بصغار الأمور من شؤون أنثوية لا ترقى إلى المهام الرفيعة الملقاة على كاهل الرجال أصحاب السير العظام المكتوبة وغير المكتوبة، وحصر المرأة مهما كان إنجازها في دائرة "الخاص The private" أي المحمية النسائية المفصولة عن فضاء "العامThe puplic" المسيطر، حامية الرجل ومملكته؟!، وبين الخاص والعام عوالم من الحكي تقل فيها مساحة البوح وتكبر مساحة الخوف والصمت. وليس أدل على ذلك من توقف الشاعرة سلطانة السديري عن نشر مذكراتها في المجلة العربية عام 1408 للهجرة، وهي ذكريات لا ترقى إلى السيرة الذاتية بمعناها الاصطلاحي، بل هي أقرب إلى "اليوميات" منها إلى "المذكرات" حسب تعبير الدكتور عبدالله الحيدري.

تغيب المرأة - إذن - عن السيرة الذاتية غيابها عن اللغة، بل إن القهر الذي تعانيه المرأة يبدأ من اللغة الإقصائية للمرأة، لذلك تغيب السيرة الذاتية النسائية أو تندر.

ونجد أنه حتى تلك السير النسائية التي أنجزتها مبدعات ومناضلات عربيات أمثال هدى شعراوي، وعائشة عبدالرحمن, وفدوى طوقان هي سير مبتورة ومكبلة، وتعوزها شجاعة البوح والاعتراف، اللذين هما الركيزة الأساسية لأدب السيرة الذاتية.