تدعوني بضع رسائل (SMS) الجوال إلى الاطلاع على شريط بثه أحد المحتسبين ويجادل فيه إلى أن التصميم الهندسي لمطار الملك عبدالعزيز الجديد في مدينة جدة يحتوي على هيكل وثني ويؤيد احتجاجه هذا بشواهد فلسفية عن علاقة الهندسة بالفنون واطراد الفنون العولمية عبر القرون والحضارات بدلالاتها الدينية. وبكل تأكيد، سأحترم له حقه المشروع أن يقول رأيه بالطريقة التي شاء، مثلما هو حق الآخرين أن يقولوا أمامه ما شاؤوا بالاختلاف أو الموافقة رغم أنه في الجملة الأخيرة من المقطع الطويل يحاول أن يقطع الخط على أي تعليق وهو يدعو لحفظ هذا الدين من كل المتربصين بصفاتهم وأسمائهم كي يضع في هذه الفواصل كل من يخالف نظرته الشخصية التي احتشد لها في شرح فلسفي هزلي هزيل وأضاف لها في المقطع الأول بضعة أسماء مجهولة نكرة قال إنها أيدت رؤيته في هذا الكشف الهندسي الوثني على بوابة القبلة وميناء ملايين المسلمين الأهم على الخارطة الإسلامية. وربما نضيف إلى دعائه بالهلاك على كل من يتربص بهذا الدين أيضا طوام التنطع والخرافة والجهل وبكل شواهد التاريخ فإن كل الأديان السماوية لم تصب في عصبها بشيء أكثر فتكا من بعض خطابها الداخلي الذي يظن بعض أربابه أنهم يدافعون عن حوزة الدين بينما هم يصيبونه في مقتل بهذه الرؤى المسطحة الفارغة، وهذا الدين العظيم ليس استثناء من عورة بعض خطابه في الإساءة التاريخية إليه. هو يدعو أيضا إلى الإنكار بكل الوسائط والوسائل عبر هيئة كبار العلماء وهيئة الأمر بالمعروف والبرقيات والاحتشاد على المواقع الإلكترونية من أجل ـ كشف الخداع ـ كما أسمى هذا الاكتشاف الخطير وهو يخلص إلى النتيجة التالية: أن مجسم المطار الهندسي هو صورة امرأة مستلقية إلى الأرض وقد مدت يديها، حيث يظهر أمامها برج المطار... أشياء تخجل جدا من أن تكتب تفاصيلها وهوسها الجنسي في مقال سيار. وكي تصل للصورة عليك أن تقوم بما يلي: ارسم هلالين متضادين ـ يتماسان ـ عند منتصف نصف الدائرة لتكون أطراف الهلالين في جهة بمثابة اليدين، وفي الجهة الأخرى بمثابة الرجلين وبينهما صالة الاستقبال أمام برج المطار. وبالطبع لا يوجد مطار في هذه الدنيا دون هذا البرج، مثلما لا يوجد مطار ضخم دون صالة استقبال تتحول في الخيال المتنطع إلى صورة جسدية، مثلما أيضا لا يوجد مطار ضخم حديث دون عنابر الوصول إلى البوابات التي تتخذ في كل مطارات الدنيا أشكالها المختلفة. ولكنك مع أهل هذه العقول التي لا ترتاح لن ترتاح أيضا من هذا الخيال: إن رسمت هلالين متضادين فأنت أمام امرأة مستلقية تفتح الذراعين. إن رسمت خطين متوازيين فأنت أمام ثنائية المسيحية المعمدانية. إن رسمت مثلثا فأنت أمام الثالثوث المشرك وإن رسمت مربعا فأنت في خطأ تقليد فلسفة ـ التربيع ـ الكونفوشوسية وإن رسمت نجمة خماسية فهذه فلسفة التفاحة التي قامت عليها أساطير الإغريق والفراعنة، وإن رسمت سداسية فهذه نجمة داود اليهودية. إن رسمت خطين متقاطعين فأنت تقلد الصليب وإن رسمت ثلاثة فذلك الثالوث. وصدقوني أو عودوا إلى مقطع ـ اليوتيوب ـ الشهير، فكل هذه الأشكال الهندسية وردت في هذا الاكتشاف الخطير. حتى الهلالان المتضادان هما امرأة مستلقية. والخلاصة أن هذا الاستطراد في الخيالات تنطعا بحسب الهوى لن يترك رسما على وجه الأرض دون أن يجد له علاقة وثنية أو دلالة دينية أو حضارية. حتى منظر الطائرات حول المطار يراها هذا المحتسب مثل الحيوانات المنوية فماذا بقي في علبة الهندسة؟ بتقليد خيالاته في ـ كشف الخداع ـ تستطيع أن تقول إن الأعمدة المتقاطعة فوق رؤوسنا في كل مساجدنا إشارات صليبية. بتقليد خيالاته، تستطيع أن تأخذ صورة المسجد الحرام من الجو، تماما مثل طريقته مع المطار، كي تكيف رسم المسجد الحرام الهندسي، واستغفر الله، ولك أن تراه خماسيا أو سداسيا، مربعا أو مثلثا ثم أن تعيد هذه الرسوم إلى خيالات فنونية شتى ولكل خيال سقيم إشاراته الوثنية. حتى الهلالان المتضادان بدلالاتهما في التاريخ الإسلامي يتحولان في هذا الخيال السقيم إلى امرأة مستلقية. صورة الأشياء المتحركة حول كل رسم من بشر أو سيارات أو طائرات تتحول إلى حيوانات منوية. بهذه الطريقة لن يبقى في ـ علبة الهندسةـ شيء في حياتنا دون أن يكون وثنيا أو غزوة فكرية ماسونية. هذه الخيالات لا تسطح عقولنا فحسب، بل تظهر هذا الدين وأهله في صورة بدائية ساذجة ومتخلفة وهذا الدين الذي رفع من عقل الإنسان مكانة وعلما وحضارة وبناء يحوله هذا الخيال إلى صورة مشوهة.