في غيابي عن الوطن، وعن الكتابة، تجرأت مواطنة سعودية اسمها منال الشريف على الجلوس في المقعد الأمامي الأيسر لسيارة العائلة فأصبح هذا ـ المقعد ـ الخطير قصة وطنية مجلجلة. وبالطبع، لا علاقة بين غيابي عن الكتابة وبين ظهورها تقود سيارتها في الشارع العام، وكل ما في الأمر صدفة محمودة، لأنها فتنة عصم الله منها نسائي فعصم الغياب القسري قلمي عنها. وبالطبع سمعت في غيابي أن منال الشريف انهارت وبكت، مثلما سمعت أنها على النقيض كانت صامدة أمام المحققين الذين اتهموها بتأليب الرأي العام. وفي غيابي أيضا لم أغب عن متابعة أخبار الدنيا فوجدت أن العالم من حولنا كان مشغولا بالخبر ـ القنبلة ـ بالقبض على السفاح الصربي راتكو ميلادتش، مثلما كان مشغولا بوقوع الكولومبي ـ روبا سيرا ـ في فخ إدارة مكافحة المخدرات الأميركية ومثلما كان مشغولا أيضا بكشف ألمانيا عن القبض على عصابة إرهابية كانت تستهدف مطاراتها وشبكة قطاراتها الأرضية. في غيابي كان العالم يتابع أخبار الثورات في عواصم بني يعرب وفي ميادين التحرير والتغيير وكان يرصد عدد القتلى مثلما كان يسجل حالات انتهاك حقوق الإنسان تمهيدا للرفع القانوني كدلائل على جرائم حرب. نحن ولله الحمد كنا مشغولين بقصة منال الشريف ونحن وله المنة كنا في غاية القلق لأن امرأة جلست على المقعد الأمامي الأيسر ثم تجرأت بهذا الجرم الخطير أن تبقى على هذا المقعد لمسافة مئة متر. في غيابي عن الكتابة انشغل العالم بمجرمي الحروب ونحن انشغلنا بقصة منال الشريف. امرأة تستطيع أن تقود سيارتها داخل أسوار شركة أرامكو حيث تعمل دون أن تواجه تهمة تأليب الرأي العام ولكنها تلبس نفس التهمة حين تفعل نفس الجريمة المجلجلة على الشارع الموازي ولكن خارج شبك الشركة. امرأة تستطيع أن تقود سيارتها داخل حرم جامعة الملك فهد للبترول دون أن تؤلب الرأي العام ولكنها تؤلب ذات الرأي في جامعة الملك فيصل على الشارع المقابل. في غيابي عن الكتابة ولله الحمد والمنة، أخذتنا منال الشريف إلى مسرحية أنستنا أزمات الأسمنت والشعير وفي غيابي عن الكتابة كانت الصدفة الحميدة أننا قبضنا على منال الشريف بالتزامن مع القبض على راتكو ميلادتش. الأخير أوغل في دماء المسلمين والأولى انتهكت أعرافهم وتقاليدهم.