تحظى منطقة مكة المكرمة برعاية خاصة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله. وأكبر وأعظم إنجاز له في هذه المنطقة توسعة الحرم المكي الشريف وتطوير المشاعر المقدسة، وتحظى منطقة مكة المكرمة باهتمام كبير من أميرها خالد الفيصل، رائد التطوير والتنمية لجميع محافظات المنطقة، الذي استطاع خلال فترة وجيزة أن يحقق إنجازاً كبيراً كانت المنطقة في أمس الحاجة له في مختلف المجالات رغم الصعوبات والمعوقات التي تواجهه أحياناً وواجهت أمراء المنطقة السابقين رحم الله من توفاه الله وأطال الله عمر من هو على قيد الحياة.

ورغم جميع الجهود التي بذلت ومازالت تبذل لتطوير الخدمات في منطقة مكة المكرمة إلا أن المنطقة ما زالت تعاني من ضعف بعض الخدمات الأساسية ويأتي على رأس هذه الخدمات الصحية والتعليمية، وسأتحدث اليوم وباختصار عن الخدمات الصحية، وهي الأكثر احتياجاً ومتطلباً وهي الخدمة التي لم تتطور منذ عشر سنوات. ولقد اندهشت عندما اطلعت على بعض المعلومات في أحد التقارير المتخصصة الصادرة عن أحد مراكز الأبحاث السعودية والتي تشير إلى ارتفاع معدل النمو السكاني في المملكة بمعدل 3.15 في الفترة من 2004م إلى 2011م حيث وصل عدد السكان إلى 27 مليون وفقاً لتعداد (2010م) 3% منهم في الشريحة العمرية من (0) إلى 14 سنة و60% منهم في الجزء من (15) إلى (64) سنة ويقدر متوسط العمر المتوقع بإذن الله للسعوديين بـ (73) عام. وهذا يؤكد أن هناك احتياجا أكبر للرعاية الصحية للفئة العمرية فوق الستين عاما. وتشير الإحصاءات إلى ارتفاع نسب الإصابة بمرض السكري الذي يساهم في التسبب في أمراض عديدة أخرى مثل القلب والأوعية الدموية والفشل الكلوي ووفقاً للمسح الصحي الذي أجرته جمعية السكري السعودية والغدد الصماء في عام 2010م أظهرت النتائج أن أكثر من 70% من سكان السعودية يعانون من السمنة المفرطة. هذا بالإضافة إلى أمراض عديدة تعتبر نسبها مرتفعة عالمياً وللأسف الشديد لم تقابلها خدمات صحية متوازية مع النمو السكاني وزيادة المستقدمين للبلاد، وفي وجهة نظري الشخصية أن جميع الخطط الخمسية لوزارة الصحة لم تحقق أهدافها بل فشلت في تحقيق أهدافها ولا ألقي اللوم على الوزراء أو المسؤولين السابقين الذين بذلوا جهودهم واجتهدوا إلا أن المعوقات التي واجهتهم كانت أكبر وكانوا أضعف من أن يعترفوا بالحقائق والأسباب التي أدت إلى فشل الخطط. ومن أكبر الأمثلة على ذلك الخدمات الصحية في منطقة مكة المكرمة التي كما قلت إنها لم تتطور أو يزداد عدد المستشفيات أو الأسرّة في المستشفيات الحكومية خلال السنوات العشر الماضية فعلى سبيل المثال إن متوسط عدد الأسرةّ لعدد السكان في منطقة مكة المكرمة التي يصل عدد السكان فيها إلى سبعة ملايين هو (1) سرير لكل ألف من السكان مقارنة بمتوسط عدد الأسرة لعدد السكان في بقية المناطق الذي يصل إلى 2.0 سرير لكل ألف من السكان. وتقديراً لأهمية الرعاية الصحية وبناء على اهتمام خادم الحرمين الشريفين فقد وضعت الخطة الخمسية التاسعة هدفاً أساسياً لتطوير القطاع الصحي للوصول إلى نسبة 3.5 أسرة لكل 1000 من السكان بحلول عام 2014م وفقاً للبيانات الحالية في القطاع العام والخاص ويبلغ عدد الأسرة في المملكة (55.932) وهذا يترجم النسبة إلى 2.0 سرير لكل 1000 من السكان. وإن الدولة تحتاج إلى تحقيق هدفها 3.5 أسرة لكل 1000 من السكان إضافة (41.603) أسرة في جميع المستشفيات الحكومية والخاصة أي بمعنى آخر إن على الدولة إنشاء (300) مستشفى جديد بحلول عام (2014م) مع تطوير المستشفيات القائمة ليصل إجمالي الأسرة في المستشفيات إلى (97.535) سريرا، وهذا يتطلب زيادة عدد الأطباء إلى نسبة 0.75 طبيب لكل سرير في المستشفى مقارنة بالنسبة الحالية 0.51 طبيب وبالمثل زيادة نسب الممرضات لتصل إلى 1.5 لكل سرير والعاملين الصحيين 0.8، وبالمقارنة بنسب الأسرة للسكان في أمريكا 6 أسرة لكل 1000 ساكن وفي ألمانيا 8 أسرة لكل 1000 ساكن.

إن قضية الخدمات الصحية في منطقة مكة المكرمة قضية قديمة لم تبدأ معالجتها إلا مؤخراً وبحماس الأمير خالد الفيصل فالمستشفيات الحكومية ظلت بنفس العدد والإمكانيات وعدد السكان يكاد يكون قد تضاعف في مدينة جدة خلال السنوات العشر الأخيرة، نتيجة النزوح السكاني لها وزيادة المستقدمين ويعود السبب الحقيقي في هذه القضية إلى عدم توافر الإمكانات المالية الداعمة لإنشاء مستشفيات حكومية جديدة في المنطقة وعدم توافر الأراضي الحكومية لبناء هذه المستشفيات التي كانت هي الأولى بمنح الأراضي واستغلال الحدائق أو المشاريع الترفيهية على شواطئ مدينة جدة، ولولا دعم خادم الحرمين الشريفين بإنشاء مستشفى الملك عبدالله الصحي بمكة المكرمة وتحويله إلى مجمع طبي متخصص لاستمرت معاناة سكان مكة المكرمة وتضخمت أزمتهم الصحية. ومع وقف تقديم خدمات المستشفى التخصصي بجدة بالمقابل المادي وقصر خدماته على المحولين من المستشفيات الحكومية أو أصحاب الأوامر السامية فإن منطقة مكة المكرمة قد فقدت أحد أهم المستشفيات التي كانت تخدم عامة الناس المقتدرين للعلاج على حسابهم، ولهذا فإن منطقة مكة المكرمة في أمس الحاجة إلى إنشاء مجمع طبي متخصص وعلى مستوى عالمي أسوة بمشروع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا. وإذا جاز لي الاقتراح فإني أقترح أن يكون موقع هذا المجمع الصحي المتخصص العالمي في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية وعلى واجهتها البحرية ولاسيما أن قطار الحرمين ستكون أحد محطاته الرئيسية مدينة الملك عبدالله، حيث إن هناك أراضي ضخمة تم رهنها لحساب القرض الذي تم الإعلان عنه مؤخراً للشركة المطورة.

إن مدينة جدة إحدى المدن التي اعتمدت لسنوات طويلة على الخدمات الصحية المقدمة من القطاع الخاص والمدعوم بقروض من الدولة ولولا مستشفيات القطاع الخاص التي لم يزدد عددها إلا بعدد مستشفى واحد خلال السنوات العشر الماضية لعانى سكان مدينة جدة من أزمة في معالجة مرضاهم.

إن ما دفعني إلى طرح هذه القضية اليوم هو الأمل الكبير في أن يتحقق طموح أبناء هذه المنطقة العزيزة على قلب ولي أمرنا حفظه الله. فالخدمات الصحية على قائمة الأولويات في خطط خادم الحرمين الشريفين التي نطمح لها.