ظهرت الجونة كإحدى أولويات الموروثات الشعبية التي صنعها الإنسان في عسير للحفاظ على الأطعمة من التلف ومن الغبار والحشرات، وظلت إلى يومنا هذا مصدرا للتعبير عن تراث المنطقة وحضارتها، حيث احتفظت بمكانتها الاجتماعية على الموائد العسيرية التي ما زالت تضعها في أكبر المناسبات وأهمها، كتعبير عن الاعتزاز بالتراث والرغبة في المحافظة عليه.

تقول أم سعيد (إحدى البائعات في سوق الثلاثاء) إن "الجونة" تعتبر الأسلوب الأمثل لحفظ الأطعمة، وخاصة الخبز، وكانت من أهم الأواني المنزلية لدى المواطنين في السابق". وأضافت أن "الجونة تعمل على حفظ الأطعمة الساخنة، وتحتفظ بالنكهة الخاصة للطعام، ولم تكن الأطعمة في الماضي تتعرض لما تتعرض له الأطعمة الآن، حيث يتم حاليا وضع مواد حافظة على المأكولات كما هو موجود في المعلبات والمخللات والأجبان والعصائر وغيرها الكثير، كما يتم وضعها في أكياس بلاستكية أو علب معدنية أو "الميلامين"، والتي ثبتت خطورتها صحيا". وأضافت أن الأواني الفخارية والأواني التي تصنع من سعف النخل والجلد لا يزال يستخدمها الكثير من الناس إلى وقتنا الحاضر، بسبب فوائدها الصحية، واحتفاظها بنكهة الطعام، وتمتعها بألوانها وأشكالها الجميلة".

وعن طريقة صنع الجونة قالت أم خالد (بائعة) "إن صناعة الجونة تتم يدوياً من الخوص، أو ما يعرف باسم الطفي، وهي نباتات تزرع في تهامة عسير، حيث إن تلك النباتات لا تزرع إلا في الأماكن الساحلية الرطبة، فمن المستحيل أن تجد تلك النباتات في جبال السراة .

وأضافت "يتم الحصول على تلك النباتات ويبدأ الصانع بلفها يدوياً، وفي معظم الأحيان تأخذ الجونة الشكل الدائري أو البيضاوي لسهولة لف النباتات، وتستخدم لحفظ الأطعمة وخاصة الخبز، وذلك عند التنقل من مكان لآخر".

وأشارت أم خالد إلى أن الإقبال على "الجونة" كبير حيث إنه لا يزال العديد من الناس يستخدمونها لحفظ الأطعمة لديهم، وبالأخص سكان المنطقة الجنوبية، أما من هم من خارج المنطقة فقد يقتنون الجونة في منازلهم سواء لإحياء التراث الشعبي، أو قد تستخدم لوضع سجادات الصلاة أو الاحتياجات الخاصة بالنساء كالأطياب والبخور والحلي، وعن أسعار الجونة قالت إنها تتراوح مابين 20 إلى130ريالا حسب الحجم.

ويضيف صاحب متحف العاصمي علي العاصمي أن "الناس ما زالوا يستخدمون الجونة، وهناك النوع القديم الذي يختلف في التصميم والجودة عن النوع الجديد".

وقال العاصمي إن الجونه لا تزال تتصدر الولائم لحفظ الخبز، وهي تحافظ على الخبز من الشوائب والحشرات وتحافظ على نظافته.

ويرى الأديب والمؤرخ على مغاوي أن الجونة تحكي تاريخ حفظ الأطعمة وأدواتها في عسير، ورغم قدم الطريقة، إلا أنها ما زالت تتصدر الولائم، وما زالت تعتبر من أهم الهدايا التي يحرص زوار المنطقة على أخذها إلى بلادهم وأهلهم وأصدقائهم، فهي بشكلها الجمالي، وبدورها في الحفاظ على الأطعمة من الشوائب، وشكلها الجمالي على الموائد، ولذلك يتم وضعها في أكبر المناسبات.