هل تعلمون من أنتم؟ أنتم الوزراء والمديرون والإداريون والمهندسون والطيارون والعسكريون والموظفون والتجار والفنانون والقضاة، وكل الموظفين والعاملين في القطاع الحكومي والأهلي. وأنتم العاطلون عن العمل، أنتم الآباء والأمهات في القريب العاجل. نعم أنتم العدد رقم واحد في المعادلة الوطنية، أنتم أساس الوطن وأنتم عماده ومصدر قوته ومنعته ونهضته وتقدمه وتطوره. أنتم المستقبل الذي يعلق عليه الجميع آمالا عريضة ولهذا اسمحو لي بمخاطبتكم بصفتي واحدا منكم وأخا لكم سمح لي الزمن أن أعرف كيف تعمل المؤسسات التعليمية؟ وكيف تدار؟ وما العلاقة بين المؤسسات التعليمية وسوق العمل الذي يدرس الأغلبية الساحقة منكم من أجل وجود فرصة فيه لضمان لقمة العيش بكرامة، وحتى تندمجوا مع أقرانكم في جميع المؤسسات الوطنية كل حسب اهتمامه وهمته.

هذا الوطن لا تشبهه الكثير من الأوطان، وكثيرون يريدون أن يتشبهوا بنا. لقد ساقكم القدر والأهل والمجتمع إلى المدرسة لتحقيق غايات كثيرة؛ منها الوطني والأسري والمجتمعي ولكن أهمها هو الغاية الفردية. ماذا تريدون أن تحققوا أنتم؟ ما المستقبل الذي تطمحون إليه؟ كيف ترون أنفسكم بعد ست أو اثني عشر أو ستة عشر عاما أو أكثر من الدراسة؟ وهل طموحكم فقط من أجل لقمة العيش؟ أم أن لكم طموحات وغايات علمية ومهنية وفكرية وثقافية ومعرفية وتقنية وتنموية وغيرها؟ لا بد أن في أذهانكم أسئلة كثيرة جدا! ولكن المهم من هذا كله هل أنتم تعملون على تحقيق غاياتكم وفق منهجية وسلوك وتصرف ينم عن مسؤولية شخصية وأسرية ووطنية، بمعنى هل أنتم تعرفون ما أهمية قراراتكم لكم وللمجتمع والأسرة؟

أنا على يقين بأنكم مهمومون ومشغولون بهذه الغايات السامية وبهذه الهمم العالية، ولكن لكل غاية طريق ولها وسائل توصل اليها، وهناك عقبات وصعوبات في تلك الطرق. ولهذا أنصحكم جميعا بأن تبذلو كل جهدكم لإتقان لغتكم العربية التي تتحدثون وتكتبون وتفكرون وتقرؤون وتتعاملون بها، وأن تدرسوا، ليس للحصول على الدرجات والمعدلات، بل للفهم وإتقان المادة العلمية واستيعابها وفهمها وليس للحصول على الدرجات التي سوف تتحقق وبأعلى المستويات، وأن تعتادوا على استخدام العقل وتفعيله في الدراسة، وذلك بالتفكير في الموضوعات والمصطلحات والمفاهيم والمعلومات والمهارات التي تتعلمونها، وتقوموا بتحليلها ومقارنتها وتفسيرها ومناقشتها والحوار حولها وقراءة وجهات النظر العلمية وغير العلمية حولها حتى تتحقق لكم مهارات التفكير الإبداعي والقدرة على فهم ما تتعلمون والأخذ منه والرفض حسب القناعات العلمية التي تتكون لديكم. وأن تتعمقوا في دراسة تاريخكم وفي الأصالة العلمية فهناك إرث عظيم لهذه الأمة العظيمة في جميع العلوم مع الربط بالحداثة والمعاصرة في جميع المجالات العلمية والتقنية والفكرية والثقافية. وسوف يتكون لدى الواحد أو الواحدة منكم رصيد معرفي وثقافي ينير له الطريق، ويسمح له بالحصول على المكتسبات العلمية والمعرفية والمادية والمعنوية، مثل الوظيفة والتخصص وغيرها. واعلموا أن أساتذتكم بشر مثلكم يخطؤون ويصيبون يحرصون ويهملون يضعفون ويقوون، والأهم أن تميزوا بين الغث والسمين وألا تسمحوا لأنفسكم بالحصول على أقل المعارف والعلوم والمهارات حتى لا تكونوا عالة على المجتمع لقلة ما لديكم من علوم ومعارف ومهارات هي أدوات مهنتكم التي بها تتكسبون وتعيشون. واعلمو أن الفرق بينكم وبين جميع الطلاب والطالبات في العالم أنهم يتعلمون من أجل لقمة العيش وغيرها من الغايات المادية، بينما أنتم مطالبون بالتعليم لأنه مطلب ديني، فطلب العلم فريضة بينما هو في الغرب حق من حقوق الإنسان، وأنتم محاسبون على التعليم بعد الموت كما ورد في الحديث وعن علمه ماذا عمل به أو علم ينتفع به.

أيها الطلاب والطالبات، لستم وحدكم في هذا العالم بل أنتم محاطون بدول وثقافات ومصالح وتدافع وتقاتل عليها. وكل مجتمع يعتمد على أبنائه وبناته للمحافظة على الثوابت والمكتسبات والهوية والسيادة والمصالح والتنافس في الحياة بشرف وعزة. ولهذا لا يقف دوركم عند التحصيل العلمي والوظيفة والاندماج في المجتمع ومؤسساته المختلفة، بل أنتم مطالبون بمنافسة أقرانكم في دول العالم المختلفة حتى تحافظوا على أوطانكم ومجتمعاتكم وتسهموا مع غيركم من الأمم والمجتمعات والثقافات في تنمية المعرفة والاختراع والاكتشاف والحوار وتبادل المنافع والاحترام المتبادل والنهوض بالإنساينة وبكرامة الإنسان وبالبيئة وبالسلم والعدالة وحقوق الإنسان وحماية الأوطان وجميع الكائنات التي وضعها الله بميزان. لا نريدكم فقط مستهلكين لكل ما يفد إليكم من جميع أنحاء العالم ولكننا نريدكم منتجين للعلم والمعرفة والتقنية وروادا ومبدعين في جميع الجوانب المختلفة وبما يضمن لأبنائكم وبناتكم والأجيال القادمة العيش بكرامة وعزة واستقرار وأنتم تنعمون بالعدالة والحرية المسؤولة في أوطانكم. وأخيرا، الإنسان المبدع له عقل يعمل ويفكر وينتج العلوم والمعارف والمخترعات فلا تبخلوا على أنفسكم بإعمال عقولكم في الدراسة والتعمق في كل العلوم والتخصصات فأنتم جميعا لديكم القدرات والعقول الواعية والقادرة على أن تتفوق على غيرها من العقول ولكن شريطة أن تستخدم فيما ينفع ولا يضر.

اعلموا أن التعليم هو الذي يحدد مسارات ومستقبل ووظيفة الأغلبية منكم، وبقدر ما تتقنون من تعليم وعلوم ومعارف ومهارات وتحصلون عليه من أدوات التقدم والرقي والتطور سوف تحققون غاياتكم الفردية وخاصة الوظيفية والمهنية والمادية وتسهمون في بناء مجتمعكم وأوطانكم وفي الحضارة الإنسانية. بل إن مرجعيتكم وثوابتكم وقيمكم تحثكم على الأخذ بكل أسباب القوة. عشتم وعاش كل مخلص في تعليمكم وتوفير الإمكانات لكم.