يوصم كل إنسانٍ يطالب ببعض الانفراجات الاجتماعية أو الفكرية أو السياسية بالعديد من التهم، بدءاً من انتمائه للمنظمات الصهيونية العالمية، ومروراً بالماسونية، وليس انتهاءً باتهام كل من يطالب بحقوق بسيطة مثل قيادة المرأة للسيارة، أو منع تزويج القاصرات، أو توظيف الفتيات بأعمال ومهام جديدة ومتنوعة بأنه متآمرٌ تربطه علاقات بمختلف منظمات الاستخبارات العالمية والدولية، وكأن تلك المنظمات "فاضية" لمشاكلنا الصغيرة، وكأنها تخطط من مائة سنة لهدم "الأخلاق" في المجتمع السعودي من خلال "وظائف الكاشيرات" أو "قيادة فتاة للسيارة"!

حتى في التاريخ الإسلامي لم نواجه مشكلاتنا السياسية والاجتماعية بوضوح من خلال نقد عيوبنا، بل وضعت كل الآثام على "عبدالله بن سبأ" وهي شخصية اختلف حولها الباحثون، ليس على دورها فحسب بل واختلفوا على حقيقة وجودها، وأذكّر بكتابات الأستاذ: حسن بن فرحان المالكي حول حقيقة وجوده، وتضخيم دوره!

إن الطهرانية الوهمية التي انطلق منها المؤرخ تجاه المجتمعات العربية جعلته يحول كل الكوارث والحماقات التي ارتكبها الأفراد إلى "عبدالله بن سبأ"، ثم نمنا بعد اختراع شخصيته نومةً هانئة بفعل أوهام البراءة من كل الأخطاء التاريخية التي ارتكبت، نفس هذا الخلل القديم يحدث اليوم، حتى يفرّ البعض من مواجهة مشاكله الاجتماعية يخترع "شخصية متآمرة سرية" ليقذف عليها كل خطايا الواقع.

إذا كان كل هؤلاء الذين يطرحون آراءهم بحرية هم من العملاء، فيطيب لي أن أشفق على تلك المنظمات التي تصرف مرتبات على كل عميل، وتعطيه سكناً ورزقاً حسناً، وتهتمّ بشؤونه يومياً على مدى عقود فقط من أجل أن يقنع المجتمع بأن تقف المرأة وراء كاشير، أو أن تقود المرأة سيارةً أو دباباً، إنها خسائر طائلة تبذلها تلك المنظمات السرية مقارنةً بمحاولات التخريب الفاشلة، وهل يخرب مجتمع من وقوف امرأة وراء "الكاشير"؟!

قال أبو عبدالله غفر الله له: إنه "التفكير السبئي"، أن نخترع شخصية لنغرقها بكل أخطائنا وعيوبنا، فكل من يطرح رأياً جديداً قد احتل ذهنه "ابن سبأ"، وكل من قادت سيارتها فإن "ابن سبأ" قد سوّل لها، والوزير الذي يسمح للمرأة أن تعمل في وظائف غير تقليدية هو وزير زاره في مكتبه "ابن سبأ" وأقعنه بالأفكار الشريرة!

بهذه الفكرة السبئية ننكر التنوع، ونقضي على التسامح، وننشر كل أفكار التآمر. هذا هو حال تلك الخطابات التي تصدر كل يوم من دون كلل أو ملل!