خيم الحزن على الكثير من العائلات في جدة أمس، ولم تستطع فرحة عيد الفطر أن تمحو آثار ذكريات حزينة حفرتها مأساة السيول التي اجتاحت المحافظة في عيد الأضحى العام المنصرم من نفوسهم، فتوجه العديد من المواطنين والمقيمين إلى المقابر لزيارة ذويهم من ضحايا تلك السيول. وفتحت مقابر جدة أبوابها للزائرين، ومنها مقبرة الرويس، حيث استقبل القائمون عليها الزوار بالماء البارد والشمسيات التي تقيهم حرارة الشمس، ليتقاطر عدد كبير من المواطنين والمقيمين إلى داخل المقبرة للدعاء لذويهم بالرحمة والمغفرة، تسابق دموعهم الحارة كلماتهم المحتبسة داخل قلوبهم. فيما شهدت جنبات المقبرة من الخارج تواجد أعداد كبيرة من النساء المتسولات وكلهن من الجاليات الأفريقية في انتظار خروج الزوار طلبا للمال مع عبارات بالدعاء لهم ولأمواتهم بالرحمة. وعلى الرغم من جهود مختلف القطاعات الحكومية لإعادة الحياة من جديد للأحياء المنكوبة بالسيول، إلا أن مصلى العيد في حي قويزة لم يكن أحسن حالا من حالهم، حيث أدى 90% من السكان صلاة العيد على الرمال وسط عطل ضرب مكبرات صوت الإمام خلال الصلاة والخطبة، إضافة إلى طفح مياه الصرف الصحي.




اعتاد الناس على زيارة القبور في الساعات الأولى من أول أيام العيد، حيث تهل الأفواج على المقابر عقب الانتهاء من صلاة العيد مباشرة. وتستمر هذه الزيارة لنحو ساعة أو ساعتين، وذلك لتذكر الأيام الخوالي التي جمعتهم قبل الرحيل إلى العالم الآخر، كنوع من الوفاء للذكريات الجميلة التي عاشوها وللتضحيات التي قدموها، فهناك من وقف على قبر والده الذي كان يعتبره القدوة والمعلم الأول أو والدته التي طالما سهرت على خدمته ورعايته وتربيته، أو زوجة أو أخ أو حتى صديق، كانت تربطهما علاقات طيبة قبل أن يفرق الموت بينهما.

عدسة "الوطن" رصدت أثناء جولتها الصباحية بعد أداء صلاة عيد الفطر المبارك أمس توجه أعداد كبيرة من المواطنين والمقيمين بصحبة أطفالهم لزيارة المقابر والسلام على ذويهم من الموتى.

وفتحت مقابر جدة أبوابها للزائرين، ومنها مقبرة الرويس، حيث استقبل القائمون عليها الزوار بالماء البارد والشمسيات التي تقيهم حرارة الشمس، ليتقاطر عدد كبير من المواطنين والمقيمين على حد سواء إلى داخل المقبرة.. كل يبحث عن مرقد قريب له.. بعضهم تمكن من تحديده، والبعض الآخر أخذ في التشاور مع من صحبه وقتا لتحديد موقع القبر، غير أن الجميع وقفوا يدعون لذويهم بالرحمة بين باك وحزين.

فيما شهدت جنبات المقبرة من الخارج تواجد أعداد كبيرة من النساء، جلهن من الجاليات الأفريقية في انتظار خروج الزوار طلبا للمال مع عبارات بالدعاء لهم ولأمواتهم بالرحمة والمغفرة وذلك بلغة ركيكة ومبتذلة.

كما لوحظ اقتسامهن المواقع التي تم تحديدها مسبقا من قبل كبيرات السن فيهن. وسادت المشهد العام ملاسنات بأصوات مرتفعة واشتباك بين العديد منهن بالأيدي جراء تعدي أخريات على مواقع ليست في نطاقهن، وكأن العملية منظمة ولا تخضع لرقابة من أي جهة رسمية، حيث اعتادت هؤلاء النسوة على التواجد حول هذه المقابر طيلة العام، وبشكل يومي ويظهرن بجلاء ووضوح في كثرة أعدادهن خلال العيد لما يلمسنه من قدوم أعداد كبيرة من الزوار للمقبرة، وما يدر ذلك عليهن من ربح وفير في مثل هذه الأيام.

من جانبه، قال إمام مسجد الإمام البخاري بحي السلامة بجدة محمد إبراهيم: ليس لزيارة القبور وقت مُعين، وإن كان بعض العلماء يجعل ثوابها أكبر في أيام معينة كيومي الخميس والجمعة لشدة اتصال الأرواح بالموتى، وإن كان الدليل على ذلك غير قوي، ومن هنا نعلم أن زيارة الناس للمقابر عقب صلاة العيد إن كانت للموْعظة وتذكُّر من ماتوا، فلا بأس بذلك أبدًا للرجال.

أما إذا كانت الزيارة بغرض تجديد الأحزان وتقبل العزاء على القبر أو إقامة سُرادق أو تهيئة مكان لذلك فهو مكروه؛ لأن التعزية بعد دفن الميت بثلاثة أيام ممنوعة على جهة الحُرمة أو الكراهة، ولأنه يوم عيد وفرح وسرور فينبغي عدم إثارة الأحزان فيه.