"سامي عوفر" من أشهر رجال الأعمال الإسرائيليين الذين يتعاملون بالتجارة مع إيران. في الأسبوع الماضي صدر قرار الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" بوضع مجموعة شركات "عوفر" الإسرائيلية على لائحة العقوبات الأمريكية لبيعها ناقلات شحن النفط والغاز لإيران.

تم إنشاء شركة "عوفر" بواسطة "سامي" وأخيه "يولي" في عام 1950، لتصبح اليوم أكبر مجموعة قابضة للشركات في إسرائيل، حيث تمتلك حصصا كبيرة في قطاعات الطيران والاتصالات وتقنية المعلومات والعقار والبنوك ووسائل الإعلام في مختلف دول العالم.

في 26 مايو الجاري أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية على صفحاتها الأولى بأن هنالك 200 شركة إسرائيلية على الأقل تقيم علاقات تجارية مع إيران، خاصةً في مجال الطاقة والهندسة والصناعة والتقنية والإنتاج الزراعي، بالإضافة إلى تصدير الأسمدة وأنابيب الري والبذور إلى إيران. وفي المقابل تقوم إيران بتصدير المكسرات والغرانيت لإسرائيل.

وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من دعوات الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" للقضاء على إسرائيل، ودعوات رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" المتكررة بتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران ومقاطعتها من أجل إرغامها على وقف تطوير برنامجها النووي، إلا أن العلاقات التجارية بين الدولتين ما زالت جارية بواسطة شركات تعمل في تركيا وبعض الدول العربية (الصديقة).

أما صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية فلقد أكدت في عددها الصادر يوم الخميس الماضي، أنه على الرغم من صدور قانون "الكنيست" في عام 2008، الذي يحظر على الشركات الإسرائيلية القيام بعلاقات تجارية مع إيران، إلا أن الشركات الإسرائيلية لم تحترم هذا القانون، بل ازدهرت التجارة بين البلدين وفاقت قيمتها عشرات الملايين من الدولارات كل عام.

رئيس اتحاد المقاولين في إسرائيل "عيران سيف" أبلغ صحيفة "هآرتس" أن الغرانيت الإيراني هو المنتشر والمفضل على غيره في إسرائيل. واعترف "سيف" أنه فشل في إصدار قرار لمقاطعة المنتجات الإيرانية.

في عام 2008 أنتج الصحفي الإسرائيلي المخضرم "ميكي روزنتال" فيلماً وثائقياً عن الفساد المستشري في إسرائيل، وأطلق عليه اسم "الشكشوكة". بعد عام من حظر عرض الفيلم في وسائل الإعلام ودور السينما، نجحت ضغوط الرأي العام الإسرائيلي في إصدار قرار الفسح. يستعرض الفيلم كافة وسائل سرقة المال العام بالتعاون مع أقطاب الحكومة الإسرائيلية، ويحتوي على طرق احتيال أثرياء إسرائيل، بدءا بالملياردير "سامي عوفر" الذي لا يمر يوم دون أن يتبرع بجزء مما يسرقه لبناء الملاعب الرياضية وصيانة المتاحف ودعم الأحزاب ومساعدة الجمعيات الخيرية.

يكشف الفيلم الوثائقي أن "عوفر" اعتمد في زيادة ثروته من خلال بناء علاقات قوية مع القيادات الإسرائيلية، وعلى رأسهم "نتنياهو"، حيث أقنعه بتخصيص شركات القطاع العام. في عام 1999 نجح "عوفر" فى شراء "شركة إسرائيل العامة"، التي تحتكر صناعات التعدين في البحر الميت، بمبلغ زهيد لا يزيد عن 330 مليون دولار. وبعد 10 سنوات تضاعفت قيمة الشركة السوقية 24 مرة لتصل إلى 8 مليارات دولار في العام الماضي.

ويستعرض الفيلم اتفاق مجموعة "عوفر" مع الحكومة الإسرائيلية في عام 2001 على مشاركتها في مصافي تكرير النفط في مدينة "حيفا"، واستحواذها على 26% من أسهم شركة "بازان". كانت هذه الشركة تستأجر الناقلات البحرية المملوكة لمجموعة "عوفر" بمبلغ 19 ألف دولار يوميا وتعيد تأجيرها لطرف ثالث بـمبلغ 15 ألف دولار يوميا، مما تسبب في خسارة الحكومة الإسرائيلية ودفعها لإلغاء عقود التأجير. وفي عام 2002 عرضت المجموعة شراء شركة النقل البحري العملاقة "زيم" بمبلغ 143 مليون دولار، وذلك على الرغم من أن أصول الشركة تتجاوز 2 مليار دولار.

خلال إخراجه لفيلمه الوثائقي، التقى المخرج "ميكي روزنتال" بمحامي المجموعة "رام كاسبي"، الذي تفاوض مع الحكومة الإسرائيلية لإتمام هذه الصفقات المشبوهة. أثناء تصوير المقابلة اعترف المحامي بأن حبه لخلطة "الشكشوكة" وولعه بتقليبها على النار الهادئة، أوحى له باستخدام طريق خلطها في مفاوضاته مع أقطاب الحكومة. وأضاف المحامي أن خلط الأسعار المطروحة من قبل الطرفين وتقليبها على نار المفاوضات الهادئة أقنع الحكومة الإسرائيلية، التي أخذت بالسعر المتوسط للخلطة.

في عام 2005 حققت شركة "زيم" أرباحاً صافية تفوق قيمة شرائها بالكامل، مما حذا بعضو الكنيست الإسرائيلي "أوفير بينس" أن يعترف بأن الحكومة باعت الدجاجة التي تبيض ذهباً برخص التراب.

خلطة "الشكشوكة" اشتهرت في إيران أيضاً، فبعد 37 عاماً على قيام الثورة الإيرانية، انخفض الناتج المحلي الإجمالي لإيران بنسبة 30%، علماً بأن أسعار النفط ارتفعت 25 ضعفاً خلال نفس الفترة. كما تراجعت تدفقات الاستثمار الأجنبي في إيران إلى المرتبة 80 وقفز مستوى المخاطر المحدقة بهذه الاستثمارات للمرتبة 96 من بين 142 دولة. وبسبب الفساد في عهد الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" وتردي الأحوال الاقتصادية، فاقت نسبة البطالة بين الشباب الإيراني 30% وارتفعت قيمة الأموال الهاربة من داخل إيران إلى 300 مليار دولار أمريكي وانحدر مستوى الحرية الاقتصادية إلى المركز 150 وتقهقر مؤشر سهولة ممارسة الأنشطة إلى المرتبة 135.

خلطة "الشكشوكة" الإسرائيلية أوحت لمخرج الفيلم الوثائقي بكشف الفساد المالي في حكومة إسرائيل. وخلطة "الشكشوكة" الإيرانية أوحت للرئيس الأمريكي بإزاحة اللثام عن فساد التعاون التجاري والزراعي والتقني الوثيق بين إيران وإسرائيل، مما أدى لمعاقبة أقطاب الخلطة وفضح نواياهم، بينما ما زال الشارع العربي جاهلاً بأهداف "الشكشوكة" الإيرانية وطرق إعدادها.