عندما أطلق الفنان البلجيكي كورنيل غايليوم بيفيرلو مبادرة حركة الفن الأوروبية "كوبرا" عام 1948 مع الفنان كارل آبل، اعتبره جمهور الأوروبيين فنانا مجنونا، لأنه عاد بالفن إلى الرسوم البدائية التعبيرية التي تشبه خطوط الأطفال وعبثهم بالألوان، لكنه دافع عن حركته بقوة، مؤكدا أن هذا النوع من الفن هو فن شعري جديد، يتميز بالتعبيرية الفطرية الصادقة من الألوان والخطوط، فن يطلق الخيال في صورة فضفاضة مشرقة بلا حدود.

غير أنه بعد ثلاث سنوات من إطلاق حركته "كوبرا"، التي تعني مختصرا لكل من "كوبنهاجن، بروكسل، أمستردام"، وانضمام ثلاثة من كبار فناني هذه الدول الثلاث إليها وهم كريسيتان دوترمينت، جوزيف نواريت، ديين اسجير جورن، بلغت الحركة ذروة شهرتها في أوروبا، وأصبح لها عشاقها ومريدوها.

وكورنيل ولد في عام 1922 فى مدينة لييج البلجيكية، لكنه هاجر إلى فرنسا من أجل فنه عام 1948 ولإشهار حركته "كوبرا"، حيث أقام بها حتى لحظة وفاته أمس بأحد مستشفيات عاصمة الفن باريس، مخلفا وراءه آخر لوحة أتم للتو رسمها رغم وهن صحته، فقد كان الموت الحقيقي له هو عدم قدرته على حمل الفرشاة لتترجم ألوانه لغة الفن التي عشقها وأفنى لأجلها سنوات عمره.

وبموت كورنيل، يكون آخر مؤسسي حركة كوبرا للفن بأوروبا قد غادر الحياة، بعد أن بقيت هذه الحركة أكثر من ستة عقود من الزمان.

وقد مرت حركة كوبرا الفنية بثلاث مراحل فنية من العمر، الأولى ما أطلق عليه بـ"الغنائية التجريدية" وتركزت على المناظر الطبيعية، ومن أجلها خاض كورنيل رحلة لإفريقيا لرسم الطبيعة هناك، والثانية مرحلة تصوير ورسم الطيور والزهور والمرأة في ألوان زاهية مرحة، ثم الثالثة والأخيرة تكريس رسوم الأطفال البدائية والفن الشعبي، مما جعله قبلة لكتاب قصص الأطفال ليزينوا قصصهم وحكاياهم للأطفال برسوماته الفريدة.

وعلى الرغم مما لقيته حركة كوبرا من رواج، إلا أن دخل كورنيل من الفن لم يكن يكفي طموحاته الفنية وولعه بشراء الخشب والقماش والألوان، ليوافي إنتاجه الفني الغزير، حتى وإن لم يجد للوحاته جميعها مشتريا، فلجأ مضطرا في سنوات حياته الأخيرة إلى الفن التجاري من رسومات على الجدران والأواني والأكواب والأقلام، وكان يعلم أن هذا النوع من الفن لا يلقى تقديرا، ولكنه كان ضروريا ليمول فنه الحقيقي الذي يعشقه.

وسيعود جثمان كورنيل خلال الساعات المقبلة إلى مسقط رأسه ببلجيكا حيث يدفن، فيما ستبقى لوحاته وحركته الفنية تخلد اسمه عالميا.