أرسل لي أخ فاضل يسألني ماذا يجري في سورية منذ أكثر من شهرين؟ هل هي ثورة أم انتفاضة أم مؤامرة أم فتنة طائفية؟ وتعلمت أنا من القرآن ألاّ أقيم وزنا للكلمات بل الالتفات للحقائق؛ فقال الرب عن الكلمات التي يلوكها مشركو قريش: "إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان.." وهنا نحن بين غبار الكلمات وجريان السنن، والشعارات وثقل الحقائق.
البعثيون مثلا في سورية رفعوا شعارات براقة مع أول ثورتهم الكارثية؛ فنادوا بالثالوث المقدس: الوحدة والحرية والاشتراكية، ولكن ما حدث هو ما نراه في المدن السورية اليوم من قتل المتظاهرين السلميين في درعا وحمص وعامودة، وترسخ الديكتاتورية وتفسخ الطائفية وحزبية مقيتة. وحين اندلعت الثورة الفرنسية لم تكن ثورة ولم يسمها الفرنساوية ثورة بل حافظوا على الملك وكان ميرابو يخاطب الملكة باحترام بالغ، والزحف على الباستيل لم يكن بهذا التألق التاريخي، وجرت الأمور وتحولت وتغيرت فأخذت لاحقا اسم الثورة الفرنسية، وتم جر معظم الطبقة الارستقراطية من النبلاء إلى المقاصل فاحتزت رقابهم بالشفرة القاطعة، وجرى الدم مدرارا في كل الساحة الأوروبية. ومعنى هذا الكلام أن البوعزيزي الذي أحرق نفسه ظن يأسا أن الموت في النار خير من الحياة في ظلال البؤس، ولم يعرف أنه سيحرق مفاصل نصف درزن من الأنظمة العربية، ولسوف يلحقه إلى بوابات الآخرة أعداد غفيرة من الضحايا.
وحين أطلق جافريلو برنسيب النار على الأرشيدوق النمساوي في سراييفو فأذاقه كأس الحمام مع أم أولاده صوفيا لم يخطر على باله ـ كما لم يخطر في بال أحد مع حريق البوعزيزي ـ أن الحدث سيقود إلى حرب عالمية تلتهم في نيرانها أرواح 12 مليونا من الأنام، ولا نعرف على وجه اليقين كم سيلحق البوعزيزي إلى بوابات الآخرة من السوريين والليبيين وآخرين.
خلاصة الكلام أن الأيام حُبالى، وبطون النساء حبالى، ولا يسمى الطفل إلا بعد اكتمال الولادة، لذا كان من السفاهة والحمق أن يُسمّى طفل لم يولد بعد، فقد يولد وقد لا يولد! وقد يولد مشوها لم يكتمل الخلقة. وقد يعترضه عارض مع لحظات النزول إلى عالم بعضكم لبعض عدو فيعاني من نقص الأكسجين وعطب الدماغ فيبقى أهبل بقية حياته ولو أخذ أجمل الأسماء.
كان ذلك في الكتاب مسطورا..
ماذا يحدث في سورية؟ بل ماذا يحدث في العالم العربي مع كتابة هذه السطور في مايو 2011م؟ لا أحد يعلم، فضلا أن يتوقع بمجريات الأمور ومصائر العباد.. وتعلمنا من القرآن أن نردد عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا.
الشيء الأكيد أن سورية تغيرت على أي وجه، بل إن رياح التغيير العربية وصلت إلى ساحات مدريد في بلاد الإسبان، وأن حاجز الخوف البعثي انكسر مثل سد يأجوج ومأجوج، الذي أصبح دكاء وكان وعد ربي حقا..
وانطلقت الجماهير الغاضبة فهم من كل حدب ينسلون..