ونحن نعيش اليوم في ظلال الذكرى السادسة لبيعة خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – لا مناص لكل راصد ومتابع موضوعي منصف أن يصف عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز بعهد الإنجازات النوعية المتميزة، صحيح أن التطور والتقدم عملية تراكمية بدأها السابقون ويكملها اللاحقون وهو ما حدث فعلا في أمور كثيرة، لكن هناك منجزات نوعية تعد بصمة خاصة للملك عبدالله وبالتالي لعهده الذي قدم فيه خلال السنوات الست الماضية ما أسعد المواطنين ولفت أنظار العالم بكثير من التقدير للمملكة والاهتمام بدورها وبالتالي وضعها في مكانتها اللائقة، فكانت بهذا الوحيدة من منظومتها في مجموعة العشرين، وهذا مجرد مثال وإلا فإن هناك الكثير مما يمكن رصده في هذا المضمار.
على المستوى الداخلي هناك ما يمكن وضعه في إطار التراكم لما سبق لكنه جاء في صورة قفزات نوعية، فمثلا الجامعات قفزت من ثمان إلى أربع وعشرين جامعة بمنشآت (مدن جامعية) وتوجه واضح نحو العلوم التطبيقية، هذا عدا الجامعات الأهلية وما تهيأ لها من دعم مادي ومعنوي، وعدا الإنجاز النوعي المبتكر المتمثل في جامعة – كاوست -، وعلى ذلك يمكن أن تقيس تطوير التعليم العام الذي رصد لتطويره تسعة مليارات، وتطوير القضاء بسبعة مليارات والأخيران يحتاجان قدرا من التسريع لإنجازهما والملك في مقدمة المواطنين المنتظرين لإتمام المهمة التي يتطلع إليها الملك والمواطنون، وفي ميدان الابتعاث هناك قفزة هائلة نوعية أخرى إذ بلغ عدد المبتعثين حتى الآن أكثر من مائة ألف مبتعث ومبتعثة مع تنويع في التخصصات وبلدان الدراسة حيث لا توجد دولة متقدمة في الغرب ولا في الشرق إلا وفيها آلاف من الطلاب والطالبات السعوديين، وعلى مستوى التنمية للبنى التحتية في البلاد فقد حدثت أولا زيارات نوعية للملك عبدالله لجميع المناطق إذ وقف بنفسه على احتياجاتها، ومنذ تلك الزيارات حتى الآن والوطن كله يكاد يكون ورشة عمل لا تهدأ، بل إن الجهات التنفيذية في الحكومة تلهث لهثا في سبيل الوفاء بما أمر الملك بتنفيذه من مشاريع سواء عبر ما يعتمد في الميزانية أو ما يأمر به مباشرة من فوائض الميزانية وحتى من خارج ذلك كله، ومع أن هناك مئات المشاريع المتعثرة إلا أنها تدل عن تعب أو عجز أو قصور الجهات التنفيذية، أما القائد فقد أمر ووفر الدعم الكافي ولاشك سيطبق إجراءاته للمحاسبة والمتابعة، ولعل تعداد المنجزات في هذا السبيل تتطلب صفحات وصفحات سواء في ميادين الصحة أو الشؤون الاجتماعية أو ما يتعلق بمستوى معيشة وحياة الناس بصفة عامة.
أما المنجزات النوعية التي ولدت على يدي المليك فلعل أولها الحوار الوطني، الذي مازال مستمرا في الداخل ويتطلب تطويرا، وتبعه حوار الأديان والثقافات ومؤتمراته الدولية، وكذلك الانتخابات البلدية التي هي الأخرى تتطلب تطويرا وتوسيعا لتشمل المجالس المحلية ومجالس المناطق ومجلس الشورى، والتطلعات الإصلاحية في الميدان السياسي كبيرة ومتلاحقة وسريعة التطور، والتطلعات والثقة في تحقيقها على يدي ملك الإصلاح أكبر وأعمق.
هناك – في نظري – ثلاثة أسباب جعلت عهد الملك عبدالله متميزا، أولها الظروف والمتغيرات العالمية تقنيا واقتصاديا وسياسيا وفكريا، وثانيها ما توفر للبلاد من وفرة مالية هائلة من جراء عائدات البترول، وثالثها وأهمها وأعظمها شخصية الملك عبدالله فهو كما هو معروف رجل إصلاح وتقدم وتطور، وهو محبوب لتواضعه وحميمية تعامله مع الجميع، وعفويته وتلقائيته التي جعلته معشوق الجماهير الأول، وصدقه مع ربه ونفسه والناس، وهو الصدق الذي مكنه من التعامل مع السببين الأولين بوعي وإخلاص ونزاهة، وهذا ما مكنه من تحقيق كل ما تحقق من منجزات نوعية، وهذا ما يجعل تطلعات الناس وثقتهم في المزيد من الإصلاحات الجوهرية الجذرية القادمة على يديه تكبر وتتضخم وتتصاعد، سيما وقد أصبح هناك متغير جديد ومهم ومؤثر ومقلق و هو ما يشهده الوطن العربي من تحركات وثورات شعبية تطالب بالتغيير والحريات والحياة الكريمة، وهذه المتغيرات تجعل الجميع يتطلعون بثقة إلى وعي وحنكة عبدالله بن عبدالعزيز الذي عودهم على الإنجازات النوعية أن يضع من الإصلاحات النوعية الهامة ما يكرس استقرار واقعهم ويطمئنهم على مستقبلهم.
إن المنجزات النوعية العظيمة لعهده الزاهر هي التي تجعل التطلعات الإصلاحية تكبر والثقة في تحقيقها على يدي ملك الإصلاح تتضخم، وهي فعلا ثقة حقيقية وعميقة للدرجة التي أصبح المواطنون يشعرون يوميا أن ما يتطلعون إليه من إصلاح وتطوير جذري سيحدث اليوم أو غدا، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.