الاثنين القادم سيصوت أدباء مكة المكرمة رجالاً ونساءً، لاختيار أول مجلس إدارةٍ منتخب لناديهم الأدبي، مقدمين شكرهم وتقديرهم لأسلافهم أعضاء المجلس المنتهية فترته. ويوم الثلاثاء القادم سيصوت المكيّون من الجنسين أيضاً لاختيار أعضاء المجلس الثاني لإدارة أول جمعية في المملكة لمرض الزهايمر (جمعية أصدقاء مرضى الزهايمر الخيرية بمنطقة مكة المكرمة). وبعد فترة سيصوت (رجال) هذا الوطن الكبير للمجالس البلدية في مدنهم ومحافظاتهم، وقبل فترة صوت المطوفون والأدلاء والزمازمة، والتجار، والصحفيون، والرياضيون، والمنتسبون لجمعية الثقافة والفنون لاختيار أعضاء مجالس إداراتهم، مما يؤكد على أن قضية الانتخابات غدت من القضايا العصرية الهامة التي عاشتها الأمة بكاملها، ويعيشها السعوديون على وجه الخصوص.
الانتخابات إسلامياً ـ رغم أني لست من هواة تأصيل المسائل المعاصرة ـ ظهرت بوضوح في صورة طلبه صلى الله عليه وسلم ممن بايعوه في بيعة العقبة أن يُخرجوا إليه اثني عشر نقيبا ـ النقيب هو الذي ينقب عن أخبار القوم وأحوالهم ـ وظهرت أيضاً في صورة طلبه عليه الصلاة والسلام ممن بايعوه من وفد هوازن أن يَرجعوا إليه بعُرفاء ـ جمع عريف، وهو القائم بأمر طائفة من الناس ـ وظهرت صورتها كذلك في ترك الفاروق ـ رضي الله عنه ـ أمر تعيين الخليفة من بعده للانتخابات.
المنصفون من المعاصرين يجعلون الانتخاب (حقاً فردياً لكل إنسان، ووظيفةً عامة له). ومع أن هناك من يحاول التشكيك في إباحة الانتخابات، إلا أن أغلب من يُوثق برأيهم نحوا منحى إباحة الانتخابات، بشرط قيامها ـ كما ذكر الأستاذ عبدالكريم زيدان في كتابه (الديمقراطية ومشاركة المسلم في الانتخابات /63) ـ على التقوى، ومراقبة الله، والبحث عن الأكفأ، والأصلح، واستشعار عظمة الأمر، والابتعاد عن كل ما يؤدي إلى المفاسد.
من المسائل الهامة المتعلقة بالانتخابات مسألة كثر الحديث عنها؛ ألا وهي مشاركة المرأة في الانتخابات، وأتمنى من كل من لا يستطيع تصور ذلك، أن ينزل مشاركة المرأة في الانتخابات منزلة الوكالة، واعتبار أن المرأة موكِّلةٌ لمن ترشحه وتختاره، وبذلك سيسهل عليه تقبل الأمر، لا سيما أن الشرع لا يوجد فيه ما يمنع المرأة من مسألة التوكيل. ولأن من سيبحث عن نص يمنعها من الانتخابات سينتهي به الأمر إلى لا شيء؛ فلا أقل من أن أطلب منه أيضاً أن يترك أمر مشاركة المرأة في الانتخابات على الإباحة. من المسائل الأخرى المرتبطة بموضوع الانتخابات تزهيد البعض في الدخول في الانتخابات كمرشَّح ـ بفتح الشين ـ ولا أدري كيف يغفل صاحب هذا الرأي عن قول الله تعالى على لسان سيدنا يوسف ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ :{..اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}ـ سورة يوسف/55 ـ ومن هذا الطلب النبوي للولاية نفهم أن من طلبها تحقيقاً للمصالح لا المفاسد، وليس لغرض الرياء، أو الانتقام، أو الوجاهة، أو المباهاة هو إلى خير بأمر الله تعالى.
وأخيراً .. من أهم مفرزات الانتخابات أنه قد ينجح فيها ـ وبلغة الفقهاء ـ المفضول مع وجود الفاضل ـ لأسباب كثيرة، وممن صححوا نجاح المفضول القاضي ابن أبي يعلى في كتابه المشهور (الأحكام السلطانية/23) وغيره. ويظل الحسم مرهوناً بنتيجة ما بداخل صناديق الاقتراع، وبما يظهر على الشاشات الإلكترونية، وفي ذلك تحقيقٌ للعدل والمساواة. ويبقى المهم في فقه الانتخابات هو توعية الناس بأهمية المشاركة في صنع القرار، وضرورة حسن الاختيار، وأن الصوت أمانة، والمشاركة مسؤولية.