الانتفاضة الشعبية في أصقاع الأرض ضد الجريمة الإسرائيلية الهمجية على أسطول الحرية تؤكد أن الدماء الزكية التي أريقت لن تذهب هدرا! براكين الغضب المحتقنة في عيون الشارع العالمي، والحماسة والصدق التي تلتهب بها ملامح الناس وهم يتظاهرون تؤكد أن الحق لا يموت مهما ادلهمت الظلمة، وأن لغة المقاومة وثقافتها هي اللغة الفاعلة والرد الحازم على الاحتلال الغاصب، وليس لغة الأمر الواقع والاستسلام والانبطاح التي أثبتت وتثبت كل يوم عدم جدواها! فلولا شجاعة أولئك الناشطين من حوالي 42 جنسية، وإرادتهم الأبية وإيمانهم الواثق بأهمية التحرك والقيام بفعل يكسر حصار غزة المستمر لمدة أربع سنوات على التوالي، ثم تخبط إسرائيل وحماقتها وغباؤها في التعاطي مع الأسطول، لما ارتفع صوت الغضب الشعبي الذي يفعل الأفاعيل اليوم! لولا الأجساد المضرجة والدماء المسفوحة على جنبات سفينة (مرمرة) لما خرج الغضب الشعبي العالمي العارم من قمقمه كالمارد الجبار مطالبا الحكومات بالتحرك. دم راشيل كوري ودلال المغربي والطفل محمد الدرة وعشرات الشهداء الذين آمنوا بالمقاومة وبقدرتها على تفتيت عزيمة المغتصب الغاشم وهزيمته نفسيا يمتزج اليوم مع دم شهداء أسطول الحرية الشرفاء ليكتب قصيدة تحريرأهل غزة من الحصار الظالم، وليعمل في جسد الحصار مقوضا حيطانه وجدرانه الفولاذية. لافتات بمختلف اللغات يحملها أحرار العالم في لندن وباريس ونيويورك والقاهرة والمغرب وكل أنحاء العالم، منددين بالصهيونية ، مطالبين بكسر حصار غزة. في مظاهرة لندن لافتات باللغة الإنجليزية تهيب بالحكومات لإنهاء الحصار، وأخرى تصرخ قائلة: لا تدعوا إسرائيل تقرصن حقوق الإنسان. وأخرى تطالب بمقاطعة السلع الإسرائيلية مذيلة بعبارة: لنقل للظلم لا ! تلك اللافتات لا تحملها وجوه عربية وسحنات شرق أوسطية فقط، ولكن يحملها الأحرار من مختلف الجنسيات والأديان والأعراق والثقافات، يهود يحملون لافتة تقول (اليهودية ترفض الدولة الصهيونية وتدين الحصار والاحتلال المجرم ). لهيب الغضب على إسرائيل يتأجج في كل مكان، ويستعر أوار الحرب الإنترنتية لحشد الرأي العام العالمي.. دول تستدعي سفراء إسرائيل لديها، وأخرى تقطع علاقاتها مع الدولة الغاصبة ، وتفتح مصر معبر(رفح) للمساعدات الإنسانية إلى أجل غير مسمى. ويرتفع سؤال عريض عن جدوى مبادرة السلام العربية بينما تنتهك إسرائيل كل القوانين والأعراف الدولية وتستمر في ممارساتها العنجهية.

لا مكان للصمت المخزي اليوم، وها هم شرفاء العالم يستحثون الحكام على التحرك. يسخر الصحفي (روبرت فيسك) من بيانات الأسف الصادرة من البيت الأبيض والأمم المتحدة ويتساءل: أين كان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ونائبه كليج؟ ويقارن ما بين ضعف وتخاذل القادة اليوم في التعامل مع إسرائيل، وما بين قوة الساسة الأمريكيين والبريطانيين عندما مدوا جسرا جويا لسكان برلين عام 1948 لينهوا الحصار الروسي على الإنسان الألماني، رغم أن ألمانيا (الدولة) كانت عدوا لهم آنذاك!

قافلة الحرية ليست إلا شرارة الانطلاق وستتبعها قوافل أخرى ترفع لواء الإنسانية ، مصممة على كسر الحصار، لتحكم الخناق على إسرائيل كما أحكم الضمير العالمي قبضته يوما ما على جنوب إفريقيا.. وسينكسر الحصار!