قضية المرأة في السعودية عويصة جدا ومتشابكة إلى الدرجة التي لا يمكن حلها إلا باستنطاق مشاكل أخرى تستلزم الحديث حولها أو التطرق لها، بل يمكن القول إن قضية المرأة أصبحت أم القضايا التي لا تنفك تعود حتى مع قضايا قد لا يكون لها صلة مباشرة كقضايا الفساد التي أودت بتهالك البنية التحتية في مدينة ما من المدن السعودية وتم تحويله إلى أن أصبح الفساد الأخلاقي أو الاختلاط بين الرجل والمرأة هو السبب في العقاب الذي نزل على الناس رغم ألا علاقة بين الموضوعين.

تتداخل إشكالات كثيرة في قضية المرأة الشيء الذي لا يحصل في قضايا أخرى أقل مشكلة من قضية المرأة، بل يمكن تخريجها في المسائل الأخرى لكن تبقى قضية المرأة هي المشكلة التي تحمل معها عند الحديث عنها قضايا جانبية تؤثر فيها قد تكون من نوع القضايا الدينية أو الاجتماعية أو حتى السياسية. بحيث تتفرع المشكلة إلى مشاكل لا يمكن حل واحدة منها إلا في حل الأجزاء كلها، فالمسألة أشبه بكوني مديراً لشركة فيها خلل كبير وأحتاج إلى أن أبعد النظر عن هذا الخلل بخلق بؤر توتر تزيح العاملين لدي في هذه الشركة عن المشكلة الأساس ولذلك أصبحت قضية المرأة أقرب إلى لعبة التركيب التي لا يمكن أن تكتمل إلا باكتمال جميع أجزائها فضياع جزء ولو صغيرا يخل باللعبة كاملة. قد ينتقدني البعض حينما قاربت الوصف باللعبة، ولا أقصد هنا المرأة بحد ذاتها فهي متسامية عن هذا الوصف، بقدر ما أقصد قضيتها التي أصبحت أقرب إلى لعبة في يد الممسكين بها في جميع الخطابات الثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية وغيرها، ولكن مع كونها قضية تحتاج إلى حسم إلا أنها دائما ما تؤجل إلى وقت غير مسمى بحكم حساسيتها المفرطة في نظر الكثيرين، ورغم عدم وجاهة الكثير من مبررات التأجيل إلا أن احتدام الصراع حولها يجعلها القضية غير المحسومة حتى الآن.

ما يحصل في السعودية أن الصراع المحتدم حول الكثير من الأمور هو صراع أقرب إلى التنازع في الهيمنة الفكرية والاجتماعية على أكثر من قطاع داخل طيات هذا المجتمع، ويشمل هذا كل المسائل التي تكون موضع نزاع بين أكثر من تيار يحاول فرض رؤاه الفكرية، مما قد يسبب نوعاً من التباعد الفكري بين التيارات أو الخطابات المختلفة يجعل الكثير من عمليات الإصلاح تبقى مؤجلة حتى يتم فك النزاع حولها، أو على الأقل اتساع درجة القبول داخل المجتمع. قضايا المرأة وتفصيلاتها من أهم القضايا التي لم تحسم، ويبدو أنه يراد لها ألا تحسم لتمرير ما يمكن تمريره من أشياء قد تكون أهم من وجهة نظر من يمارس ذلك التمرير، وكلٌّ في نطاقه، أكان سياسياً أم دينياً أم اجتماعياً أم ثقافياً.

لو أعدنا النظر في كل القضايا التي كان الصراع في الأطياف الفكرية المجتمعية قوياً حولها إلى الدرجة التي أصبح الحديث فيها يغلب على أحاديث أخرى ربما تكون أكثر أهمية لرأينا أن مشكلة المرأة كانت ولا تزال محورا مهما جدا من محاور الصراع بحيث يتم تحوير مشكلة المرأة من مشكلة إنسانية إلى مشكلة وطنية، كما تم مثلا في قضية تعليم المرأة في بدايات تعليمها في السعودية، وكيف أن المجتمع أصبح أقرب إلى الهيجان بسبب فتح المجال لتدريس المرأة بعد ما كانت جاهلة بأمور حياتها خارج جدران المنزل، بل جاهلة حتى بأمورها الدينية أيضاً، وحينما حسمت مسألة تعليم المرأة استلزم ذلك الكثير من عمليات التطمين الاجتماعي والديني، لكن هل انتهت مشكلة تعليم المرأة عند هذا الحد؟ المشاهد أنه حتى الآن ما تزال مشكلة تعليم المرأة في تطور حيث تحولت المشكلة من تعليم المرأة إلى نوعية تعليمها أو إداراتها أو السلوكيات العامة التي يفترض التعامل مع المرأة بغير الطريقة التي يتعامل معها من الناحية العلمية، وهكذا. الآن تدور مشكلة المرأة في تدريسها للأطفال في الصفوف الدنيا من المرحلة الابتدائية، والمشكلة، في رأيي، ليست في تدريس امرأة للأطفال، بل هي محاولة لإعادة فرض الهيمنة التي سلبت بقرارات خرجت عن عباءة خطاب معين.

على المستوى الثقافي أُعيد النظر في ترشيح المرأة لمجالس إدارات الأندية بعد أن كانت وزارة الثقافة والإعلام تصرح بعمومية لفظ (العضو) بحيث يشمل المرأة أيضا، ومنعها من هذا الحق هو إعادة خلق بؤرة توتر في الخطاب الثقافي لتمرير قضايا أخرى وربما كان إنجاح انتخابات الأندية أحد أجندتها حيث يمكن أن يكون الصراع حول انتخاب المرأة في مجالس الإدارات عائقاً عن نجاح الانتخابات نفسها. هكذا أتوقع السبب رغم عدم وجاهة رفض انتخاب المرأة من أساسه.

أما القضية الأبرز التي مازالت تشغل المجتمع السعودي بعامته وخاصته هي قيادة المرأة للسيارة، ومع كون هذه القضية مضى على فتح ملفها أكثر من حوالي خمسة عشر عاماً منذ أن قادت أكثر من أربعين امرأة سعودية في أوائل التسعينات والقضية لم تحسم لا بالرفض التام ولا بالقبول المطلق أو حتى القبول المشروط، ومع أكثر من تصريح لعدد من رؤوس الهرم في الدولة بأن قيادة المرأة من عدمها هي قضية مجتمعية، إلا أن النظام المعمول به مازال غير واضح في سن قانون يسمح أو لا يسمح، بل إن التهمة التي وجهت إلى منال الشريف بعد إيقافها بسبب قيادتها السيارة في الخبر هي كونها أخلت بالأنظمة، فأين تقع إشكالية قيادة المرأة هنا؟.

هذه نماذج قريبة ومشهورة وإلا فإن أي حديث تكون المرأة فيه طرفا حتى ولو كان بعيداً فإنه يتحول إلى صراع فكري واجتماعي كبير على الرغم أن كل الأنظمة العامة في الدولة تكفل الحق التام للمرأة في التحرك دون أن يكون هناك تمييز. طبعاً هذا على المستوى النظري أما المستوى التطبيقي الخاضع للتفسيرات فهناك الكثير الذي مازلنا نحتاج إلى حسمه في قضية المرأة السعودية. المسألة برأيي، مسألة صراع وإدارة صراع، وليست في ذات القضية نفسها، فمن السهل سن قوانين سريعة وصارمة تحمي المرأة وتحفظ كرامتها من عبث العابثين أو تطفل المتطفلين.