أخطر ما يواجهه عالمنا العربي والإسلامي في العصر الحديث هو التوظيف المصلحي للشعارات البراقة، حتى أصبحت بامتياز "الحق الذي يراد به الباطل"!.

فمن منا يرفض الديموقراطية التي هي صورة من صور الشورى في الإسلام؟، ومن منا يرفض أن تعيش الشعوب العربية والإسلامية خاصة في حرية ونعيم؟!. ومن منا يرفض أن يتحول العالم العربي والإسلامي إلى عالم يُحسب له ألف حساب؟!.

لا أعتقد أن أحداً يريد أن يعيش في عصور القهر والذل والفقر والاستعباد والجهل والتخلف إلاّ إذا كان مستفيداً من هذا المشهد القميء، وهو ما ينطبق على المنافقين الفاسدين الذين يتآمرون على أوطانهم لتحقيق مصالح خاصة حتى لو ذهب الوطن إلى الجحيم!.

وهؤلاء لا يقلون خطورة عن العدو المعروف، أو القوى الاستعمارية، بل هم أدوات هذه القوى الغاشمة التي ترفع شعار (الديموقراطية) حتى عنان السماء، ثم إذا اصطدم بمصالحهم وأهدافهم الخاصة أطاحوا به ودفنوه في سابع أرض، كما حدث مثلاً في الحالة الفلسطينية إبان فوز حماس في انتخابات ديموقراطية أشرف عليها الغرب بنفسه!.

وهو ما يحدث في الحالة الليبية أيضاً حينما تصدر قرارات من مجلس الأمن بحماية المدنيين ثم نرى المكلف بهذه الحماية (حلف الناتو) وقد أهدر كثيراً من دماء المدنيين فضلاً عن تهديم البنية التحتية للشعب الليبي نفسه!.

وهو ما قد يحدث للشعبين اليمني والسوري إذا ما ظل المثقفون – خاصة – أو قل – بعضهم - من البلدين على حالهم من معانقة الشعارات الغربية البراقة ودفع البسطاء إليها دون أي حساب أو تحسب لأغراض الآخر التي لا تخفى على أحد، والمحصلة أننا كعرب وكمسلمين سنتحول إلى بقاع ساخنة للحروب الأهلية التي تستنزف مقدراتنا وثرواتنا!.

فكرياً، وثقافيا بشكل عام، لم أقرأ تحليلاً منطقياً يؤسس رؤية حقيقية لما يجري في عالمنا العربي والإسلامي إلاّ ما ندر!. فأغلب القراءات تُشتَمُّ فيها رائحة المصلحة الخاصة والأيديولوجيا والتوجه الواحد لا المتعدد، وكأن من يكتبون أغمضوا عينا وكتبوا بالأخرى!.

هو الحال أيضاً على مستوى الإعلام المرئي، الذي أصبحت كاميراته عمياء أحياناً وعوراء أحياناً أخرى، وتسلل إليها الزيف حتى في الصورة!.

إن على مفكرينا ومثقفينا وفنانينا، حيال أمتنا العربية والإسلامية التي أعتقد أنها تمر بأخطر مراحل حياتها، دوراً واجباً ينبغي أن يتسيد الساحات الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية، دوراً لا يسعى لمناصرة هذا الطرف أو ذاك، وإنما يجعل مصلحة الوطن والأمة فوق كل مصلحة، وإلاّ فإن الأمة لن تنتظر سوى مزيد من الضعف والتخلف والموت، ولن تعيدها الشعارات البراقة إلى الحياة من جديد!.