صالح إبراهيم الحسيني، مربي ماشية، أفاق من نومه ذات صباح، صلى الفجر، ثم توجه كعادته إلى "حوش أغنامه"، ليقدم لها الطعام، لكن مخزون الأعلاف لديه لم يكن كافياً، حينها قرر الذهاب إلى سوق "الأعلاف" مبكراً، ليفوز بأفضل المعروض، وأقل الأسعار، التي كان يعرف مسبقاً أنها لن تتجاوز 29 ريالا لكيس "الشعير"، و7 ريالات لمثيله من "البرسيم". عند وصول الحسيني إلى السوق، تجمهر عليه "الشريطية"، وكل منهم يأخذه بيده عن الآخر، محاولاً الفوز بـ"الفريسة" القادمة إليهم، كونه أول "صيد" بعد ما طرأ من تغيير على أسعار الأعلاف!

بين يدي الباعة

الحسيني لم يكن يعلم شيئاً مما يجري في كواليس السوق، وهو مربي الماشية البسيط الذي كل همه أن يطعم أغنامه، ويكسب رزقا لأطفاله. اختطف أحد العمالة الوافدة يد الرجل، وهو يقول له: "لدي ما تبحث عنه من كل الأعلاف وأنواعها، والسعر الذي أبيع به ليس له مثيل في السوق". كان الحسيني يحدث نفسه في تلك الأثناء، بأن هذا هو حديث عامة الباعة في هذا المكان، وكان يحسب نفسه بوقوف كل أولئك الباعة حوله، أنه سيخطف أقل الأسعار، لم يكن يعلم حقيقة ما يحدث فعلاً، ولم يكن يعرف أن تجمهرهم عليه لم يكن إلا بسبب عزوف المشترين عن الشراء، وركود السوق، مقابل استعار الأسعار، وازديادها بنحو النصف! الراعي الباحث عن ضالته، سأل البائع كعادته" "بكم تبيع الشعير؟"، فرد عليه وهو يشير إلى أحد الأكياس المستوردة من أستراليا بـ"أربعين ريالا فقط يا شيخ". الأمر الذي أثار دهشة الحسيني، الذي رد تلقائيا: "أربعين ريالا... ليه؟ وهو يباع في كل مكان بتسعة وعشرين ريالاً"، ليجيبه البائع موضحا أن الحال قد تغير، الأمر الذي فاجأ الحسيني، مما اضطره أن يقلل من الكمية التي قدم لشرائها، ويستبدلها بمقدار أقل.

خسائر متراكمة

الحسيني ليس بدعا بين أقرانه، فحاله من حال العشرات من مربي الماشية، الذين تكاد أغنامهم وأبلهم تهلك، بسبب عدم قدرتهم على شراء الأعلاف، مما اضطرهم لبيعها بأسعار بخسة. ففي الوقت الذي كان فيه سعر الخروف النعيمي بـ 1100 ريال، اضطر بعضهم إلى بيعه بـ 600 ريال تقريباً، وكذلك الحال بالنسبة للإبل، انخفض سعرها إلى النصف تقريباً، مع شح مواقع الرعي، وقلة الأمطار، وارتفاع أسعار الأعلاف.

تنظيم الأسعار

وزارة التجارة والصناعة من جهتها، كانت قد أخضعت "الشعير" لأحكام التنظيم التمويني، في الأحوال غير العادية، بهدف الإسهام بضبط توازن الطلب مع العرض في السوق، والحد من ارتفاع الأسعار الذي بدأ بالازدياد في الآونة الأخيرة. وفرضت الوزارة غرامات مالية على مخالفي التنظيم، تصل إلى 50 ألف ريال، إضافة إلى عقوبات أخرى تتضمن المنع من الاستيراد، وإيقاف مزاولة النشاط.. ووفقا لتعميم جديد صدر عن الوزارة، حصلت "الوطن" على نسخة منه، يعتبر "مخالفا لأحكام التنظيم كل من تجاوز من المستوردين نسبة هامش ربح مقدارها 5%، من تكلفة الاستيراد، بعد خصم مقدار الإعانة، ورسوم التفريغ في الموانئ". وكذلك كل من يبيع كيس الشعير وزن 50 كجم من الموزعين أو التجار، بزيادة عن هامش الربح المحدد، بقرار مجلس الوزراء بـ 4 ريالات للكيس، وكل من امتنع عن البيع أو قام بتخزين الشعير، أو لم يضع لوحة توضح أسعار البيع في محله من المستوردين، والموزعين وتجار الشعير.


تراجع الاستهلاك

وكان تقرير سابق لوزارة التجارة، قد أشار إلى أن استهلاك المملكة من الشعير سيتراجع خلال العام الجاري إلى 7.5 ملايين طن، بانخفاض مقداره 200 ألف طن، مقارنة بالعام الماضي، إذ بلغ استهلاك البلاد من الشعير قرابة 7.7 ملايين طن. وتوقع التقرير أن تسجل تجارة الشعير العالمية خلال الموسم الحالي الذي يبدأ من شهر يوليو، إلى الشهر نفسه من العام القادم، نحو 16.5 مليون طن، بانخفاض قدره نصف مليون طن عن عام 2009، حيث بلغت التجارة العالمية خلال العام الماضي نحو 17 مليون طن.

ارتفاع بـ 33%

من جهته أوضح أحد موزعي الشعير إلى "الوطن"، أن الأسعار ارتفعت بنحو 33% عن السعر السابق قبل نحو شهرين، مبينا أن سعر كيس الشعير الأسترالي، ارتفع من 29 ريالا، إلى 40 ريالا، بينما وصل سعر الشعير الأوروبي، إلى 38 ريالا للكيس الواحد.

تفعيل دور الجمعيات

مدير عام "المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق"، المهندس وليد بن عبد الكريم الخريجي، كشف في تصريح إلى "الوطن" أن المؤسسة "بدأت بتفعيل دور الجمعيات التعاونية الزراعية في المملكة، لتسويق منتجاتها من النخالة الحيوانية وأعلاف تسمين الماشية"، وأشار إلى أن "هدف هذه الشراكة هو خدمة صغار مربي الماشية، وأن المؤسسة تقدم ما في وسعها من أجل تفعيل ودعم هذا التعاون، نظراً للقناعة بالدور الهام لهذه الجمعيات، كونها حلقة الوصل بين الدولة والمربين، لدعم احتياجاتهم، وتسهيل حصولهم على الأعلاف المنتجة من قبل المؤسسة"، مؤكداً أن "الدراسة التي سبقت بدء التعاون قامت بتنظيم جميع جوانب هذه التجربة، من خلال الاتفاقية الموقعة بين كل جمعية والمؤسسة، وما تضمنته من أسعار البيع التفضيلية الممنوحة لهم، وذلك لضمان البيع للمربين بالأسعار المعتمدة من المؤسسة، دون زيادة". الخريجي أبان أن التعامل القائم حالياً "يقتصر على منتجي النخالة الحيوانية، وأعلاف تسمين الماشية، وفي حالة نجاح هذه التجربة، يمكن دراسة شمول ذلك لمنتجات أخرى من الأعلاف".

موسم العيد

وفي إطار ذي صلة، يتوقع متعاملون في السوق، أن تشهد أسعار الماشية ارتفاعاً متوقعاً، نظراً لحلول العشر الأواخر من شهر رمضان، وقرب عيد الفطر المبارك.

تاجر المواشي، محمد الخلف، رأى أنه حتى مع موسم العيد، فإنه "لا خوف على كبار التجار"، مشيراً إلى أن لديه ما لا يقل عن ستين ألف رأس من الأغنام، وأن المزارع التي يمتلكها تنتج له الأعلاف التي تجعله مكتفيا ذاتياً، معتبراً في ذات الوقت أن "القلق يجب أن يكون على صغار مربي الماشية، الذين لا يلقون دعماً مناسباً يساعدهم على تربية ماشيتهم"، مرجعا سبب ارتفاع أسعار الأعلاف إلى"قلة الإنتاج المحلي، وارتفاع الأسعار عالمياً، وقلة الاستيراد، ومحدوديته على دول معينة".