عندما غرقت عروسنا (جدة) وهي تزدان وضاءةً في ريعان شبابها افتقد الكَلِمُ تعبيرا، وغدت الصورة أوقع ألما وقدرة على نقل عمقٍ كارثة من قلب مدينة أصبحت بين أربعاءين (جزيرة) تحت الماء!
عندها شكت جدة من غرقها، وندب أهلها حظ مدينتهم العاثر، وزار حينها أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل مناطقها المتأثرة بالسيول وتفقدها، والتقى سكانها في عدد من الأحياء، انبرت حينها ابنة الوطن من (أم الخير) فاطمة الطويرقي واسترسلت في طرح معاناة الغرق المتكرر لجدة، تناشد الفيصل بكل شفافية وإصرار مكررة بحرقة "ابحثوا لنا عن حل".. امتد الحوار حينها بين الأمير لدقائق بكل إنصات ووضوح لتخرج من ذلك الحوار مع سكان شرق جدة بحل يرضيهم وفي "أسرع وقت ممكن" كما وعدهم الأمير.
انقضت ثلاثة أشهر ونصف، وقبل أيام كانت تجلس فاطمة على المقاعد الأولى في حفل توقيع عقود مشاريع حماية شرق جدة من السيول مع غيرها من أهالي حيي أم الخير والسامر، فقد تحقق لهم ما أرادوا وحضرت (أم محمد) وجيرانها بدعوة من إمارة مكة لإطلاق إشارة البدء في تنفيذ الحلول العاجلة من السيول.. كان خالد الفيصل وقت التدشين يلتفت حوله باحثاً عن فاطمة وعن جارها شريك الحوار والهدف محمد الجعيد، سأل عنهما وناداهما باسميهما وقال لهما: "وعدتكم بأن هناك مشاريع عاجلة لحمايتكم، ووعدتك بأن أم الخير لن يُزال، فدشنوا أنتم هذه المشاريع"، ثم فوضهما كممثلين من سكان حي السامر بتدشين المشاريع.
يقول خالد الفيصل في كتابه "مسافة التنمية وشاهد عيان" الذي ألّفه وأصدره إبان وجوده على رأس المسؤولية فى إمارة منطقة عسير التي لم تعطل ذاكرتها عنه حتى الآن: "الإمارة ليست جهة تتفرج على تنفيذ خطط التنمية من قبل الجهات الأخرى المسؤولة، وإنما هي شريكة فعلية وواقعية في خطط التنمية وتنفيذها، لأن هذه الخطط لها، ومن أجلها، ومن أجل مواطنيها، الذين سوف يشعرون بنعمة التنمية، ثم بالمحافظة عليها، عندما يشتركون كمسؤولين ومواطنين، في هذه الخطط، وفي تنفيذها على أرض الواقع".
وعند قراءة ما بين أسطر كتاب وعمل على أرض الواقع لا تجد تفسيراً لذلك سوى أن العلاقة كانت أنموذجاً بين شفافية طرح المواطن وتقبل المسؤول (الحاكم)، بالإنصات لمطالبه وفتح قلبه له قبل بابه، وشخصية المواطن تمثلت في (أم محمد) تلك الشخصية التي لم تكن مطبلةً أو متسلقةً، بل كانت تحمل هم أسرتها وجيرانها وحيَّها بصوت متزن مباشر فكانت أنموذجاً للمواطن الفاعل بصوت الثقة والمسؤولية طرحاً ومشاركة.
وما قام به الأمير خالد الفيصل هو لفتة قيادية حكيمة تغلفها إنسانية ومسؤولية وتكاملية في المشاركة والأمان النفسي الذي لا يقوم به – أسفا- إلا القلة من المسؤولين، فوعد الفيصل وأوفى بشيم الرجال الذين يعملون بصمت أكبر من الإنجاز، متخطيا الصعاب، ونعيق النفوس الضعيفة بعمق الحكمة وحضورها وتقبل الرأي الآخر وروح المشاركة.
هذا الدرس من تلك المدرسة المصقولة، خبرة، وثراء إداريا وفكريا، يجعلنا نقف عند قامة تمتلك رؤى قيادية مميزة ووميضا لمستقبل وطن زاهر، وعندما لا تكتب تزلفا أو تطبيلا تجزم أيضا بأن حجم خالد الفيصل ليس بحاجة لحجج، بقدر ما أننا بحاجة إلى (شاهد عصر) وتجربة تنمية تستحق، وإنجاز على أرض الواقع، وكما قال روجر فريتس: "الفارق بين الواقع والحلم هو كلمة من ثلاثة أحرف (عمل)".!