نشرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية يوم السبت من هذا الأسبوع خبراً عن حزمة من المساعدات ستقدمها المملكة العربية السعودية إلى جمهورية مصر العربية تبلغ نحو أربعة مليارات دولار. ونظراً إلى أن الأفعال أفصح وأصدق من الأقوال، فلعل هذا الإعلان ينهي الجدل والتكهنات في الصحافة المصرية والعربية عن متانة العلاقة بين المملكة العربية السعودية والنظام الجديد (المؤقت) في مصر.
ووفقاً لتوضيحات السفير السعودي في القاهرة، فإن نسبة كبيرة من المساعدات (حوالي 40%) ستكون دعماً مباشراً للموازنة العامة المصرية، منها (500) مليون دولار بصفة منحة، ومثلها (500) مليون دولار بصفة قروض ميسرة، و(500) مليون دولار أخرى لشراء سندات حكومية، وبالإضافة إلى ذلك ستقدم المملكة مليار دولار، كوديعة لدى البنك المركزي المصري، لدعم الجنيه والسياسة النقدية، وهو أمر هام للغاية خلال الفترة الانتقالية وما أحدثته من زعزعة في ثقة وكالات التصنيف الائتماني والمؤسسات المالية الدولية. أما بقية المساعدات، فستخصص للمشاريع الإنمائية، والقطاعات المنتجة، وبرنامج دعم الصادرات.
والمساعدات السعودية سخية جداً، مقارنة على سبيل المثال، بالمساعدات الأمريكية، حيث أعلن الرئيس باراك أوباما يوم الخميس الماضي 19 مايو، عن مساعدات لمصر تبلغ ملياري دولار، منها مليار دولار قيمة ديون أمريكية سابقة ستُعفى مصر من سدادها، بشرط أن تُستخدم في دعم التنمية وإيجاد وظائف للعاطلين عن العمل. أما بقية المساعدات، أي المليار الآخر، فستكون على نحو "ضمانات للقروض" تتمكن مصر عن طريقها من الاقتراض.
ولكن ما أعلنه أوباما ليس في الحقيقة على ظاهره، فالرئيس صلاحياته محدودة في هذا المجال وليس لديه تفويض من الكونجرس بعد لتقديم ما وعد به، وما قاله هو إعلان عن عزم إدارته على العرض على الكونجرس بزيادة الدعم لمصر وتخفيض حجم ديونها، ولكن النتيجة ليست مضمونة، نظراً إلى أن الكونجرس ليس كله في يد حزب الرئيس، بل يسيطر الجمهوريون على مجلس النواب، الذي يتعين الحصول على موافقته في أي التزام مالي تقوم به الإدارة. وفي هذه السنة التي تسبق الانتخابات الرئاسية، لن يوافق مجلس النواب على أي طلب يمكن أن يزيد من مكانة الرئيس أوباما أو يعزز فرصه في الفوز في ولاية ثانية.
ومع أن الديموقراطيين – حزب الرئيس أوباما – يمسكون بزمام الأمور في مجلس الشيوخ، بأغلبية ضئيلة جداً، إلا أن هذا المجلس سينظر إلى طلبه لزيادة المساعدات لمصر من منظور انتخابي ومن زاوية مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى، خاصة أنه الآن أصبح في أجواء انتخابات 2012، حيث يلعب دعم إسرائيل دوراً كبيراً فيها.
ولتبديد الأوهام التي بدأت الصحافة المتفائلة في نشرها بعد خطاب الرئيس عن زيادة الدعم المالي لمصر، سارعت السفيرة الأمريكية بالقاهرة مارجريت سكوبي بالتوضيح يوم السبت، بأنها لا تتوقع تغييراً سريعاً لبرنامج المساعدات هذا العام، مشيرة إلى أن المقترح الخاص بتخفيف الديون الأمريكية على مصر "قد" يبدأ تنفيذه في عام 2012. وبينت سكوبي أن الإدارة الأمريكية تقوم حالياً باستكمال إعداد المقترح الخاص بشأن تخفيف الديون وفق ما أعلنه الرئيس، تمهيداً لتقديمه للكونجرس للموافقة عليه، وأن ذلك قد يستغرق شهورا وربما سينفذ خلال العام المقبل بعد موافقة الكونجرس.
ولم يمهل أعضاء الكونجرس الرئيس طويلاً، فقد ردوا عليه صبيحة اليوم التالي مشككين في إمكانية الموافقة على طلبه، نظراً إلى "الحالة المالية الصعبة للحكومة الأمريكية، وعدم معرفة من سيتولى حكم مصر بعد الثورة".
فقد رفض السناتور الجمهوري توم كوبيرن مجرد النظر في الطلب، قائلاً بسخرية: من أين سنأتي بمليار أو ملياري دولار؟ هل سنقترضها من الصين؟ وهو بذلك يشير إلى تفاقم الدين العام وعجز الميزانية وعدم وجود فوائض يمكن استخدامها لتوفير المبلغ المطلوب.
ولم يقتصر التشكك على الجمهوريين، بل إن عضوة مجلس الشيوخ (ديان فاينستين) إحدى أهم أنصار الرئيس في المجلس، قالت بصراحة "لا أعرف من أين ستأتي هذه الأموال، فتوفير ملياري دولار أمر صعب ونحن نسعى إلى تخفيض النفقات في كل مكان"، وفاينستين عضو في لجنة تحديد مخصصات الميزانية في المجلس، أي اللجنة نفسها المسؤولة عن تدبير المبلغ.
أما في مجلس النواب، فإن الأمر أصعب لأن المجلس يسيطر عليه الجمهوريون، بل إن رئيس لجنة الميزانية، وهو النائب الجمهوري (هال روجرز) يعمل منذ فترة على تخفيض مخصصات المساعدات الخارجية، لا زيادتها كما يقترح الرئيس.
وبالإضافة إلى الضائفة المالية، أشار أعضاء آخرون في الكونجرس إلى أن من غير الحكمة تقديم مساعدات لمصر قبل معرفة من سيتولى الحكم فيها، أي قبل معرفة نتيجة الانتخابات المقرر عقدها في سبتمبر. وكما أسلفت فإن أحد الاعتبارات السياسية الرئيسية التي سيعتمد عليها الكونجرس في إقرار المساعدات هو مدى ثقة إسرائيل في الحكومة الجديدة في مصر.
فهل سيصمد الرئيس أوباما أمام هذا الرفض في الكونجرس لفكرة زيادة المساعدات الأمريكية لمصر، أو حتى مجرد الحفاظ على مستوياتها الحالية؟
أشك في ذلك، فالهم الأول للرئيس هذه الأيام هو تعزيز فرص نجاحه في الانتخابات القادمة، وليس من ذلك الدخول في معارك جانبية مع الكونجرس لصالح مصر، أو ضد إسرائيل.
ولذلك فإن فرص مصر ضئيلة في الحصول على المساعدات الإضافية التي وعد بها الرئيس، إلا بعد ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية في نوفمبر 2012م.