نحن نعرف من الصمم أنه عدم قدرة الإنسان على التقاط الموجات، وفي القرآن تشبيه بليغ عن الحيوان الذي يسمع فلا يفقه ممن ينعق إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يفقهون، وهي آيات من افتتاحية سورة البقرة عن المنافقين أن الصمم هنا ليس بعدم وصول الموجة بل بعدم فهمها فهنا يحدث صمم من نوع مختلف.
وهكذا فالصمم أنواع: فقد يكون عضوياً فيزيولوجياً، وقد يكون لغوياً، وقد يكون ثقافياً!
فالصوت هو حركة في وسط مادي، تنتقل هذه الحركة عبر غشاء الطبل وعظيمات السمع، التي لا يزيد وزنها عن 55 ملج! فإذا حدث خلل في هذا الطريق العضوي في أي نقطة من شريط الانتقال، تعطل انتقال الصوت، وكان الصمم في مثل هذه الحالة عضوياً فيزيولوجياً بحتاً.
وقد يحدث صمم من نوع آخر، وهو ليس قصوراً في انتقال حركة الصوت، وإنما في تفسيرها في الفص الصدغي في الدماغ، فيحدث عجز في التفاهم، ويحدث (حديث طرشان) من نوع جديد.
كذلك الصمم الثقافي عندما يتحاور شخصان بلغة واحدة ولكن بخلفية ثقافية متباينة، فكما أن الحروف لها شيفرتها الخاصة بها، لكل حرف وكلمة في الدماغ، ولكل لغة، كذلك هو في عالم الأفكار؛ فإذا اجتمع مثلاً من يؤمن بمادية التاريخ وفائض القيمة وآلية وسائل الإنتاج، مع آخر قضَّى عمره في دراسة النحو والصرف والمعلقات الشعرية فقط، أو صوفي يعرف في العرفان والبرهان وآداب الحضرة والخلوة والجلوة والشيخ والمريد؛ فإن ما يحدث بينهما سيكون عجباً، ليس لأن الحروف والكلمات غير مفهومة، بل لأن موجة الحديث كلها متباينة، كما في جهاز الراديو عندما يوضع على الموجة القصيرة والبث على الموجة المتوسطة!. كذلك حتى يحصل تبادل الآراء وإمكانية التفاهم لابد من تغيير موجة الاستقبال الفكرية بكبس أزرار خاصة في تلافيف الدماغ!
فالصمم هنا ليس فيزيولوجياً ولا لغوياً بل ثقافي ببعد جديد..
ومنه قال القرآن: لهم آذان لا يسمعون بها. أو قوله كيف يمر الإنسان على الآية فلا يراها وهي في مرمى النظر، فهنا المشكلة ليست في الشيء بل في وعي الشيء. والكثير عاش ومات مثل أي أرنب وتمساح، ومنهم من كان مثل الشعرى اليمانية تألقا وضياء.. فبهداه اقتد..