مثل كل عام في الغرب، حينما يأتي شهر رمضان لا بد أن يعود الحديث حول الجالية المسلمة المقيمة بعيدا عن وطنها الأم. هذه الجالية التي تحاول أن تتأقلم مع الحياة في بلدان تختلف عنها، وفي الوقت ذاته تحاول قدر إمكانها المحافظة على كافة تفاصيل عاداتها وتقاليدها التي نشأت عليها خصوصا خلال الشهر الكريم.

يتميز شهر رمضان في فرنسا بأنه شهر استثنائي في حياة هذه الجاليات المغتربة. حيث نجد المسلمين يستقبلون الشهر بفرحة كبيرة مبعثها شعور خفي بأن هذا الشهر يحملهم إلى بلادهم بل يحمل بلادهم إليهم على الرغم من المسافات التي تفصل بينهم وبين بلادهم. فتبدأ كل جالية في استحضار طقوس رمضان في موطنها الأصلي خصوصا فيما يتعلق بأنواع الطعام والحلوى التي اعتادوا أن تزخر بها الموائد الرمضانية منذ طفولتهم وسط أسرهم، حتى المهاجرون من سنوات طويلة يحملون نفس الحرص على التفاصيل الرمضانية كي يشب أبناؤهم من الأجيال الثانية والثالثة عليها، ويتمسكون بها على مدى الأجيال القادمة.

وحول بعض التفاصيل التي تصاحب شهر رمضان في باريس يقول عميد مسجد باريس الكبير دليل أبو بكر، لا يعني تعدد أساليب الأطعمة أو الحلوى أن مسلمي فرنسا يقضون الشهر الكريم متباعدين، بل على العكس تماما، هو شهر التلاقي والتواصل وبشكل مكثف ربما بتنا نفتقده داخل أوطاننا لأسباب متعددة. ويقضي المسلمون في فرنسا أوقاتهم بين الصيام وتبادل الزيارات والتضامن مع الفقراء والمحتاجين وحضور الحفلات الفنية التي تقام في العديد من الأماكن والأحياء التي يقطنها غالبية من المسلمين. فعلى سبيل المثال تحتضن مدينة باريس وضواحيها منذ أعوام العديد من اللقاءات الدينية والفكرية على مدى الشهر إلى جانب الأمسيات الترفيهية التي تبادر جمعيات الجاليات المسلمة في فرنسا بتنظيمها بحضور الكثير من الخبراء والمتخصصين في الشأن الديني من بلدان العالم الإسلامي المختلفة من أجل إلقاء محاضرات حول أبعاد وجوهر شهر رمضان سواء على السمتوى الديني أو الاجتماعي.

ويضيف عميد المسجد: بشكل عام يعد رمضان في فرنسا شهرا متميزا بالتضامن مع المحتاجين والوقوف إلى جانبهم، فهناك موائد الرحمن التي تضمها مساجد فرنسا، وفي مقدمتها أو أكبرها على الإطلاق مائدة مسجد باريس الكبير، حيث يفتح أبوابه أمام الجميع قبل ساعات قليلة من موعد الأذان. واعتاد المسجد على تلقي مساعدات مالية من طرف الحكومة الفرنسية وسفارتي السعودية والإمارات العربية المتحدة في باريس لهذه الغاية مما يشكل واحدا من أروع أشكال التكافل والتراحم الاجتماعي. كما تقوم هيئة الإغاثة الإسلامية بمبادرة مماثلة، حيث تمكنت في العام الماضي من توزيع ألفي وجبة يوميا في مدن فرنسا وضواحيها. كما يقوم مسجد باريس بتقديم وجبات غذائية طوال شهر رمضان المبارك للفقراء والمحتاجين. هناك أيضا ما تفعله جمعية خيرية تحمل اسم "شربة للجميع" التي تقوم منذ نشأتها عام 1992 بتوزيع وجبة الإفطار على الفقراء والمحتاجين في بلدية الدائرة الـ19 لمدينة باريس.