كثر الحديث حول مزايا وعيوب نظام "نطاقات" الصادر من وزارة العمل كأحد المبادرات الجديدة من وزارة العمل للتعامل مع مشكلة البطالة في المملكة، فهل ستنجح هذه المبادرة في حل ظاهرة البطالة؟ أم تلقى نفس مصير المبادرات السابقة من وزارة العمل؟ والأهم، هل هذه المبادرة تمثل الحل الاستراتيجي الأمثل للتعامل مع مشكلة البطالة في المملكة؟
في عام 1415 هـ (أي قبل أكثر من 17 سنة)، صدر قرار مجلس الوزراء رقم (50) بتاريخ 21 /5 /1415 هـ الموافق 26 /9 /1994 م، بالموافقة على التوصيات الواردة في محضر مجلس القوى العاملة الذي ناقش موضوع إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الأجنبية في منشآت القطاع الخاص, وقد تضمن القرار (50) عدداً من التوصيات، منها:
1. أن تقوم جميع المنشآت، أيا كان عدد العاملين بها، بالعمل على استقطاب المواطنين وتوظيفهم وتوفير وسائل استمرارهم في العمل لديها.
2. إلزام كل منشأة تستخدم عشرين شخصا فأكثر بزيادة العمالة السعودية لديها بما لا يقل عن 5% من مجموع عمالتها سنويا.
3. إلزام المنشآت بعدم استخدام غير السعوديين للعمل في وحدات التوظيف وفي وظائف مسؤولي التوظيف ووظائف الاستقبال والمعقبين ومراجعي الإدارات وأمناء الصناديق ووظائف الحراسة الأمنية المدنية.
4. أن تجازى كل منشأة تخالف الأحكام المتقدمة بكل أو بعض الجزاءات التالية:
• وقف الموافقة على طلبات الاستقدام التي تقدم منها.
• وقف طلبات نقل الكفالة أو تجديد الإقامة للعاملين لديها.
• الحرمان من الدخول في المناقصات الحكومية.
• الحرمان من القروض.
• الحرمان من الإعانات التي تقدمها الحكومة للقطاع الخاص.
5. تقويم نتائج تنفيذ هذا القرار كل سنتين على أن يشارك في هذا التقويم مندوب من وزارة التخطيط والأمانة العامة لمجلس القوى العاملة ويقوم وزير العمل برفع ما تتوصل إليه اللجنة إلى صاحب السمو الملكي رئيس مجلس القوى العاملة.
وقبل الحديث عن أي مبادرات واجتهادات فردية، ينبغي أولاً مناقشة وتحليل وتشخيص مشكلة البطالة في السعودية من خلال تقييم وقياس نتائج المبادارات والقرارات السابقة وأهمها قرار مجلس الوزراء رقم (50) - والخاص بسعودة جميع الوظائف في القطاع الخاص بشكل -تدرجيي الصادر في عام 1415 هـ (مرة أخرى قبل أكثر من 17 سنة). وهذا القرار يعني أنه كان من المفترض حسب ما ينص عليه القرار وصول نسبة السعودة إلى أكثر من (100%)، حيث إن نسبة الزيادة السنوية المطلوبة هي (5%) تضاف إلى النسبة الأساسية المطلوبة (20%) أو (20% + (5% X 17))=105%، فهل وصلنا إلى هذه النسبة بعد أكثر من (17) سنة أو بعد أكثر من (6) آلاف يوم؟ وهل قامت وزارة العمل بفرض العقوبات المنصوص عليها في قرار رقم (50) نتيجة لعدم التزام منشآت القطاع الخاص بتطبيق النسب المطلوبة؟ وما هو وضع ونسب البطالة بين السعوديين بين عامي 1415 و 1432 هـ؟ وما هو وضع ونسب العمالة الأجنبية بين عامي 1415 و 1432 هـ؟ ومن الذي استفاد خلال فترة الـ (17) سنة الماضية: التاجر أم الأجنبي أم المواطن؟
بنظرة مستقلة لوضع المملكة الاقتصادي وما تملكه من عوامل نجاح أقلها الإسلام، وتواجد مكة والمدينة، واستقرار وتلاحم سياسي، وامتلاك ثروات طبيعية من نفط وغاز ومعادن – الأعلى في العالم، وموارد بشرية وطنية مخلصة تنتظر الاستثمار الأمثل فيها، لا يمكن تصور أو قبول فكرة وجود بطالة بين أبنائنا وبناتنا من جميع المؤهلات، بينما يعمل في هذا الاقتصاد أكثر من (9) ملايين أجنبي.
رغم ما صدر من قرارات وأهمها قرار رقم (50) إلا أنه لم يحصل شيء، بل إن الوضع يسوء بشكل أكبر، للأسف! فأرقام البطالة بين السعوديين في تزايد، وأعداد الأجانب في تزايد، فمن عام 1415 هـ، تضاعف أعداد الأجانب من أقل من (3) ملايين إلى أكثر من (9) ملايين في عام 1432 هـ أي بزيادة أكثر من (200%)، بينما زادت نسب وأعداد البطالة لتصل إلى أكثر من (10%) وبالنسبة للبنات قد تكون الضعف أو أكثر، وبحسب الأرقام المسجلة في نظام "حافز" الخاص بتسجيل العاطلين عن العمل للحصول على إعانة سنوية، فإن نسب البطالة قد تكون أعلى بكثير من (10%) وأعداد العاطلين عن العمل أكثر من (2) مليون، فهل هذه الأرقام تعتبر مفاجأة؟ أم أن هناك أخطاء جذرية في طريقة احتساب النسب ونوعية ومصدر بيانات البطالة؟ ما يمكن استخلاصه أن استمرار تفاقم مشكلة البطالة يعني شيئاً واحداً: عدم تنفيذ قرار (50) خلال فترة الـ (17) سنة الماضية، وما حصل سابقاً على مبادرات السعودة بالضرورة وبالمنطق أن تواجه أي مبادرات جديدة ومنها نظام "نطاقات" نفس المصير.
وقد يكون من أهم أسباب عدم نجاح المبادارات السابقة أو الحالية ما يلي:
1. يختلف سوق العمل السعودي بتواجد عدد كبير من الأجانب في جميع مجالات العمل، ومحدودية فرص العمل للمرأة.
2. من أهم مشاكل العمل الحكومي العمل بشكل فردي ومنعزل، فلا يمكن لوزارة العمل التنظيم والمراقبة وحدها في سوق العمل، فهناك أطراف أخرى منها وزارة الداخلية ووزارة التجارة والصناعة والهيئة العامة للاستثمار- التي فتحت دخول الأجانب بشكل كبير - ووزارة الخدمة المدنية، مما يتطلب العمل من خلال جهة عليا تتبع المقام السامي بحيث يتم ضمان تنفيذ أي حل استراتيجي من جميع الجهات الحكومية.
3. غياب منهجية وشفافية لإدارة مشروع السعودة، فلا مؤشرات للأداء، ولا شفافية في المعلومات، ولا دقة في المعلومات، ولا رقابة ولا متابعة نوعية، وكما انتظرنا سنوات لنعلم أن هناك مشكلة في تنفيذ قرار رقم (50)، فقد ننتظر أيضاً لسنوات لنعلم مصير المبادارت الجديدة.
هذه بعض الملاحظات على سوق العمل السعودي، ولكن من المؤكد أن التاجر والأجنبي هما المستفيدان فقط من سوق العمل، فالتاجر يجني أرباحا عالية ويحصل على قروض ميسرة وأراض بأسعار رمزية بدون ضرائب، والأجنبي يحصل على وظيفة ويتدرب على أحسن النظم والتقنيات، كل هذا على حساب المواطن الذي ما زال يبحث عن الحل! يبحث عن المستقبل!