قالها مرة حين سئل عن أدب ابنته التي صنفوها ضمن تيار منبوذ، إبان مواجهة فتيان وشبان الحداثة مع المتحفظين والمحافظين في ثمانينيات القرن الماضي، أيام (معركة الحداثة) المفتعلة، والتي تستعاد الآن ولكن بمسميات ووجوه وآليات جديدة.

كان يطبق عمليا في إجابته المختصرة والمكثفة فلسفته في التنشئة والتربية، مانحا ابنته كينونتها واعتبارها إنسانا راشدا، ناضجا، يعي اختياراته ويعرف كيف يحددها في ممرات العصر، ليعيش زمانا خلق له، محمولا على مقولة أبي السبطين (لا تقسروا أبناءكم على أخلاقكم ، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم).

لم يكن قمعيا، إقصائيا، بل حمل مسؤولية تلبية النداء الديني لعمارة الأرض، وأدرك أن عملية الإعمار لن ينهض بها مجتمع خامل، أمي، يضطهد المرأة، ليس له علاقة بالكتاب والقراءة، وأن المجتمعات لا ينهض بها إلا المتسلحون بالعلم والوعي والمعرفة والثقافة.

حين حاول البعض تصويره بأنه تقليدي ضد التحديث، هبت نتاجه الجميل (أميمة) للدفاع عن والدها عبدالله الخميس (1919 – 2011) رحمه الله، نافية أن يكون ( ضد الحداثة)، معتبرة أن في مثل هذا القول (اختلاساً لكثير من وهج تجربته)، لافتة إلى أنه (كان من أوائل المنادين بتعليم المرأة، وأول من أفسح لها مجالاً للكتابة)، مستدركة أنه (كان يعبّر عن ذائقة مرحلته في الشعر الحديث، وفق ما لديه من تراكم ثقافي).

تراكمه الثقافي يدفعك ببساطة لتصنيفه ضمن قائمة المثقف العضوي، صاحب الرسالة الذي يتأكد دوره ووجوده في مجتمعات لم تستأصل منها الأمية بأشكالها كافة نهائيا. المثقف الذي يقف من المرأة الوقفة الطبيعية المنصفة، فينادي بتعليمها، المثقف الذي يسارع لتأسيس صحافة وطباعة، لا يمكن أن يكون إلا رساليا، إذ لا يتردد البتة في الاقتراب من الأدب الشعبي، الذي ينتجه الأميون (تعليما) ولكنهم فنانون بالفطرة، فينحاز باقتناع واقتدار لفكرة تعددية الثقافة والفنون وتلاقي جداولها في نهر واحد كبير جبار، نهر يصطرع فيه الإنسان بكل شرائحه، نهر هو الحياة.

إن كان للموت جزعه وحزنه وألمه، أيضا له جماله، فهو يمنحنا بعد التطهر بالدموع، القدرة باستمرار على معرفة أن الأجيال الجديدة الممتدة باتجاه أفق جميل، ليست نبتا شيطانيا البتة.

بل هي استطالات لفروع وأشجار جميلة نبتت في كل أراضي البلاد، وأرادت لها الخير والعصرنة والجمال مبكرا. مع كل هذا الفقد الكثير، والمتتالي أتذكر الآن المثل الإفريقي (اليوم احترقت مكتبة)، كانوا يقولونها حزانى في قرى كينيا وما جاورها، حين يموت شيخ منهم.