تشهد العاصمة المقدسة هذه الأيام اختناقات مرورية في العديد من الشوارع المؤدية إلى المنطقة المركزية للحرم الشريف. والشوارع الرئيسية الأخرى، فالطريق الدائري الثالث الذي يعد من الطرق السريعة يشهد اختناقات عديدة خاصة في الفترة المسائية إذ تمتد المركبات من قصر أفراح الزمردة إلى مستشفى النور التخصصي، وطريق العزيزية المؤدي إلى الحرم من ناحية أنفاق محبس الجن وهو ليس بأفضل حالا من الدائري الثالث، وكذا طريق أجياد ريع بخش، وشارع الستين والعدل وغيرها من الشوارع الأخرى على الرغم من التواجد المروري المكثف الذي لم يفلح في الحد من هذه الاختناقات.

ويرجع العديد من المهندسين المتخصصين في هندسة الطرق الاختناقات المرورية إلى أن العاصمة المقدسة لم تشهد خلال الخمس والعشرين سنة المنصرمة تنفيذ طرق جديدة رغم التطور الكبير الذي شهدته المدينة، والنمو السكاني المرتفع، إضافة إلى عدم وجود شبكة نقل عام ذات مواصفات جيدة، علاوة على زيادة أعداد المعتمرين والزوار.

ويؤكد وكيل أمانة العاصمة المقدسة للمشاريع والتعمير السابق الدكتور المهندس أحمد بايزيد أن الاختناقات المرورية ليست حكرا على العاصمة المقدسة، بل كل مناطق المملكة تعاني من هذه الاختناقات المرورية بسبب عدم وجود نظام نقل عام جيد، كما هو مطبق في الدول المتقدمة حيث يقوم على توفير حافلات نقل عام مجهزة بكل سبل الراحة، يوفر لها مسارات خاصة تمكنها من الوصول إلى المكان الذي يريده المواطن بسرعة تختلف عن وصوله بالمركبة الخاصة، مشيرا إلى أن إنشاء طرق جديدة من خلال نزع ملكية بعض العقارات سيكلف الدولة أعباء مالية كبيرة، ولن يحل مشكلة الاختناقات المرورية لأن الطرق الجديدة سوف تستوعب أعدادا محدودة من المركبات.


نقل عام جيد

وشدد بايزيد على أهمية ترغيب أصحاب السيارات في النقل العام إذا تم إيجاد نظام نقل عام جيد ومتكامل كأن تفرض رسوم على من يريد الوصول إلى الحرم الشريف من خلال مركبته الخاصة. مبينا أن طريقة الحافلات المستخدمة الآن في نقل المصلين إلى الحرم عبر أنفاق محبس الجن من الممكن تطويرها، والتوسع فيها لتكون النواة الأولى لنظام النقل العام الجيد الذي ينبغي تطبيقه، وإلا فإن الاختناقات المرورية سوف تزداد مع مرور الأيام.

وبين أستاذ الهندسة بجامعة أم القرى، مستشار هيئة تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة الدكتور محمد الشريف أن أسباب الاختناقات المرورية تكمن في أن الشوارع الحالية مصممة من عشرات السنين، وغير مستوفاة ولا يمكن أن تستوعب الكم الكبير من المركبات حاليا، إضافة إلى أن البيئة العمرانية بالعاصمة المقدسة معظمها بيئة عشوائية، ولم تخطط من قبل ولا توجد بها شوارع رئيسية، علاوة على أن الطرق الرئيسية غالبا ما تنتهي إلى طرق فرعية ضعيفة وضيقة.

وشدد الدكتور الشريف على أهمية إيجاد منظومة متكاملة للنقل في العاصمة المقدسة، مشيرا إلى وجود استشاري كندي مكلف من قبل الهيئة لإيجاد دراسة لمنظومة متكاملة للنقل في العاصمة المقدسة والمشاعر وسيتم الانتهاء من هذه الدراسة في الأيام المقبلة، مقترحا إلغاء الدائري الأول وتخصيص الدائري الثاني للنقل العام، وإلغاء مواقف السيارات بالمنطقة المركزية.


أسباب تخطيطية وتشغيلية

وأشار وكيل معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج الدكتور محمد إدريس إلى أن الاختناقات المرورية تعود إلى أسباب تخطيطية وأسباب تشغيلية؛ فالوضع الراهن للشوارع الرئيسية والطرقات لا يتناسب مع كثافة المركبات؛ فالشوارع الموجودة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستوعب كل المركبات. مشددا على أهمية إيجاد منظومة نقل عام تغطي مكة المكرمة كلها، وإيجاد مواقف سيارات حول مكة المكرمة تتوفر بها كل الخدمات الضرورية، بحيث يوقف المعتمر سيارته، ثم يركب النقل الجماعي الذي يوصله إلى الحرم الشريف سريعا عبر مسارات خاصة بما يشجع المعتمرين على ركوب الحافلات. مؤكدا حاجة مواقف السيارات الحالية على مداخل مكة المكرمة إلى مسارات خاصة تربطها بالحرم الشريف.

وبين إدريس أن المعهد أجرى العديد من الدراسات عن الحركة المرورية، ودأب على تخصيص محور عن النقل في كل الملتقيات العلمية التي ينظمها المعهد سنويا، ويعرض العديد من الأبحاث، ويتم التناقش حولها ثم تتخذ العديد من التوصيات في هذا المجال، ومنها إيجاد مخطط شامل لمكة المكرمة والمشاعر، وكذا منظومة شاملة للنقل العام إلى جانب إيجاد محطة مركزية للنقل العام. مشيرا إلى قيام بعض الجهات مثل هيئة تطوير مكة المكرمة، والمشاعر المقدسة، وأمانة العاصمة المقدسة بتنفيذ بعض التوصيات. مؤكدا أنه لو تم تطبيق بعض الدراسات التي أجريت من السابق لكانت هناك حلول جزئية.

وأشار أمين العاصمة المقدسة الدكتور أسامة البار إلى أن الأمانة وقعت عقدا مع إحدى الشركات المتخصصة لإجراء دراسة عن حركة النقل بالعاصمة المقدسة بتكلفة 15 مليون ريال وبدأ الاستشاري في إجراء هذه الدراسة. مبينا أن العاصمة المقدسة فريدة من نوعها من حيث احتياجات النقل فيها نظرا للتغيرات الكبيرة التي تحدث في مواسم الحج والعمرة، كما تشهد زيادة مستمرة في أعداد الحجاج والمعتمرين مما يؤدي إلى المزيد من الازدحامات المرورية، وما يترتب على ذلك من تأخير المركبات وتلوث الهواء وحدوث الضوضاء.





الطرق الدائرية

وقال البار: إنه بالرغم من وجود ستة مداخل رئيسية لمدينة مكة المكرمة إلا أن طريقي جدة السريع، والسيل يخدمان ما يزيد عن نصف الحجوم المرورية الداخلة والخارجة من وإلى مكة المكرمة، مما يظهر الحاجة إلى المزيد من الطرق الدائرية التي تقوم بتوزيع الحركة على محاور المدينة المختلفة، وتسمح للمرور الخارجي العابر بعدم استخدام شبكة الطرق الداخلية للمدينة لتخفيف حدة الازدحامات المرورية عليها، وهناك حاجة لإكمال جميع الطرق الدائرية الموجودة في مدينة مكة المكرمة لاستيعاب احتياجات النقل الحالية والمستقبلية، وبين أن الطريق الدائري الرابع يعتبر الأكثر جدوى نظرا لكون معظم الأراضي التي يمر بها غير مستغلة مما يقلل من كلفة المشروع.

وأكد مدير مرور العاصمة المقدسة العقيد أحمد ناشي العتيبي أن هناك أسباباً مباشرة للاختناقات المرورية التي تشهدها العاصمة المقدسة، ومنها إغلاق طريق الراقوبة، وطريق الشامية وطريق جبل هندي بسبب مشروع توسعة الساحات الشمالية الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين، إضافة إلى إغلاق الطريق المؤدي من بطحاء قريش إلى العوالي، وتحويل السيارات إلى الدائري الثالث الذي يشهد تنفيذ مشروع تصريف السيول، إضافة إلى مشروع تصريف السيول المنفذ في طريق الكعكية، ومشروع تصريف السيول بالعدل، علاوة على مشروع الدائري الثالث الذي تعمل وزارة النقل على إكماله من ناحية طريق أم الجود، والتحويلات الموجودة.