لأسباب مختلفة، أمسكت قلمي عن الخوض في القصة المؤلمة لوفاة الشاب الأردني، في محافظة أحد رفيدة بمنطقة عسير، وكما يشاع، بسبب من بعض اجتهادات منسوبي الهيئة. أولاً، فلأن القلم تقوى الله ومخافته، ومن المغامرة أن تخوض به في قصة مضطربة وغامضة. لا يمكن لأي ضمير حي أن يسكت وهو يقرأ نفسا تزهق، مثلما لا يمكن له أن يكون جزءا من آلة الاتهام التي قد تطال بريئا أو أبرياء من استحلال دم محرم. وللأسف الشديد فإن كل ما أثير حول الموضوع يدعو للحيرة ويزيد الصورة غموضا، مثلما أسفي، أن معالم القصة وأركانها لا تستحق كل هذا الغموض والحيرة. كل الأدبيات التي قرأتها حول الموضوع إنما تضعنا أمام معادلة رياضية من الدرجة العاشرة رغم أنها بالنوايا الإنسانية أبسط من أبسط أنواع العمليات الحسابية.

أبسط حقوق الإنسان أن نعطي ـ الميت ـ كرامته بكشف الحقيقة، وأبسط حقوق الإنسان في المقابل أن لا نعطي التهمة دون دليل لفرد أو جهاز، ومرة أخرى فإن الذين يتحايلون على كشف الحقائق لنفس ميتة إنما يساهمون في حمل وزرها والقتل أعظم الكبائر. كيف قتل ومن الذي قتله؟ هذه الحيل المكشوفة من ـ الربو ـ أو السقوط من سور أو الهلع والخوف الذي أدى إلى موت دماغي إنما هي خيالات لا تصلح حتى لأفلام ـ الكرتون ـ الطفولية.

اتقوا الله جميعا فأنتم أمام جثة لشاب مسلم. بقي أن تقولوا إنه قتل نفسه. أولى حقوقه أن يكون التحقيق مستقلاً نزيها لا علاقة له بكل دوائر المحافظة حتى لو أتينا باللجنة من القصيم أو الحدود الشمالية. أبسط حقوقه أن لا يستثني التحقيق أحدا وأن لا نرفع أحدا فوق الشبهات وأن لا نعطي حصانة لأحد من بحث الحقيقة.

أولى حقوق هذه القصة المؤلمة أن يحضر رأس الجهاز الأعلى إلى الميدان وأن يباشر بنفسه تهيئة التفاصيل التي تحفظ للميت حقه وكرامته وأن يضع هيبة الجهاز الموقر وسمعته، أولاً، أمام الأعضاء حتى نضمن أن لا تتكرر مثل هذه الاجتهادات التي تسيء لسمعة الجهاز وأهله.

أبسط الحقوق أن يصدر رأس الجهاز الموقر قراره الصريح بالوقف المؤقت لكل أعضاء هذه الدائرة تحت التهمة حتى تنجلي الحقيقة بقرار قضائي بعد التحقيق المستقل النزيه، ثم أن يقبل الجميع بحكم القضاء مثلما قبل من قبْل أحكامه على رقاب سابقة. تستطيع أن تدفن جثة ولكنك لا تستطيع أن تدفن معها في القبر نفسه كامل أوراقها المؤلمة الملتهبة. كل من يحاول ذلك إنما يضع نفسه شريكا في الجريمة.